ما هي الأرثوذكسية؟

ما هي الأرثوذكسية؟

الأب يوحنا رومانيدس

نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

إن الشعب والحضارة الأرثوذكسيين يقاومان عملية التغريب (westernization). لكن ما هي الحضارة الأرثوذكسية؟ أهي حضارة بالمعنى الغربي للكلمة؟ لا، الأرثوذكسية ليست حضارة، حتّى ولو أشار توينبي إليها بـ “الحضارة الأرثوذكسية”. لماذا؟ لأن الأرثوذكسية عِلم (science). وبحسب المعايير المعاصرة، هي علم طبّي، وليست حضارة. ليست الأرثوذكسية لا حضارة ولا نظاماً سياسياً، لأنّها تهتمّ بخلاصنا الشخصي، خلاص نفوسنا. تقوم الأرثوذكسية على حقيقتين: “الكلمة صار جسداً” (يوحنا 14:1)، و”ما من توبة في الجحيم” (القديس يوحنا الدمشقي، “المئة مقالة في الإيمان الأرثوذكسي”، الكتاب الثاني، الباب الرابع). بالطبع، تحمل الأرثوذكسية في ذاتها ما هو ضروري لخلق حضارة، لكنها بذاتها ليست حضارة. الأرثوذكسية ليست حتّى ديناً. ليست ديناً مثل كلّ الأديان الأخرى. تتميّز الأرثوذكسية عن غيرها بظاهرة فريدة لا يمتلكها أي دين آخر. تتعلّق هذه الظاهرة بمنشأ وطبيعة ومصير البشر، كما بكيفية شفائهم. هذا يجعل الأرثوذكسية مختلفة. الأرثوذكسية هي مسار من العلاج الذي يشفي شخصية الإنسان.

ينشغل الطبيب الأصيل بعلاج كلّ مَن هو مريض، من دون استثناء ومن دون تمييز. إنّه لا يحدد أشخاصاً من بين الآخرين من أجل العلاج. هو لا يهتمّ للمركز الاجتماعي للأشخاص، ولا بوضعهم المادي، ولا بدينهم أو سلوكهم الأخلاقي. لا ينتبه الطبيب الحقيقي إلا إلى إذا كان مَن يقصدونه مرضى وحَسْب. وإذا كانوا مرضى فهو يهتمّ ويحاول أن يعالجهم ويشفي ضعفهم. إنه مُلزَم بمعالجتهم. عندنا في التقليد الأرثوذكسي شيء مشابه، لا بل هو أكثر من ذلك. وهذا الشيء الإضافي هو ما يشكّل طريقتنا في الدفاع ضد التغريب.

لا يحب الله القديسين فقط بل كلّ الناس، من دون استثناء، بمَن فيهم الخطأة والذين في الجحيم وحتّى الشيطان. وهو يتمنّى أن يخلّص كل واحد منهم ويشفيه. إنّه يريد أن يشفيهم جميعاً، لكنّه لا يستطيع ذلك، لأنّ ليس جميعهم يريدون أن يشفوا. نحن نعلم هذا، أنّ الله محبة وهو يرغب في شفاء الكلّ ويحب الكلّ، لأنّ هذا قد تمّ إثباته وما يزال يُثبَت في خبرة الذين بلغوا التمجيد، حيث يمكن معاينة الله، وقد عاينوه.

مع هذا، لا يستطيع الله أن يشفي الجميع، لأنّه لا يتخطّى الإرادة البشرية. يتعاطى الله مع الإنسان باحترام كبير ويحبّه. ولكنّه لا يستطيع أن يشفي إنساناً ما بالقوّة. إنّه يشفي فقط أولئك الذين يرغبون بالشفاء والذين يطلبون شفاءهم. طبيعياً، مَن هو مريض جسدياً، أو حتّى عقلياً، يذهب إلى الطبيب من ذاته وليس بالقوة لكي يتعافى، هذا إذا كان ما يزال قادراً على التفكير السليم. الأمر عينه يحدث في مسيرة الأرثوذكسية العلاجية. علينا أن نذهب إلى الكنيسة بحرية من دون أي إلزام أو ضغط. علينا أن نمضي إلى أناس مشهود لهم قد بلغوا الاستنارة، وهم مختبَرون، ولديهم الطريقة العلاجية التي من التقليد الأرثوذكسي. من بعدها علينا أن نكون مطيعين لهم لكي نجد الشفاء.

Leave a comment