الجبن الروحي

الجبن الروحي

الأب أنطوان ملكي

يعرّف العلمُ الجبنَ على أنّه الفشل في إثبات المتانة العقلية الكافية والشجاعة في مواجهة التحدي. ففي القوانين العسكرية مثلاً، الجبن في المواجهة هو جريمة يعاقَب عليها. والجبن كمصطلح يُستَعمَل لوصف سمة شخصية سلبية تتجنبها وتزدريها معظم الثقافات، إن لم يكن جميعها، في حين أن نقيض الجبن، أي الشجاعة، تُكافأ وتُشَجَّع. والجبناء عادةً يتجنّبون أو يرفضون المواجهات أو الصراعات، حتّى ولو كانت ثقافتهم ومعتقداتهم تعتبرها محقّة وعادلة. وتظهِر الدراسات أن الجبن قد يكون يعيق الإنسان في نجاحه وعلاقاته. ما سبق ينطبق في علوم النفس والاجتماع والسياسة وغيرها. فهل ينطبق الأمر أيضاً في الروحيات؟

الجواب موجود في أهمّ كتب علم النفس، كتاب “السلّم إلى الله” الذي كتبه القديس يوحنا السلّمي في القرن السادس وضمّنه كل خبرته النسكية، فجاء مدرسة لكل المسيحيين عبر العصور. يحدد القديس يوحنا السلّمي الجبن بأنه “الاغتمام مقدماً لخطر لم يحصل، وارتعاد القلب لمصائب غير محددة”. فالإنسان يجبن خوفاً من حصول سوء ما، قبل أن تحصل المواجهة وقبل أن يحصل السوء. أما سبب الجبن العام فيشرحه القديس في قوله أن الجبن هو “ارتداد عن الإيمان يجعلنا نخشى وقوع شرور غير متوقعة”. الارتداد عن الإيمان هو في الاتّكال على الذات لأن الإيمان هو “الثِّقَةُ بِمَا يُرْجَى وَالإِيقَانُ بِأُمُورٍ لاَ تُرَى”، على ما يعلّم الرسول بولس. وهذا الارتداد تجربة يتعرّض لها كلّ مؤمن كلّ يوم. المؤمن إذا جبن يبقى غارقاً في خطاياه خوفاً من أن يفشل في غلبتها. والأهل في تعاطيهم مع طلبات أولادهم معرّضون لأن يجبنوا خوفاً من أن يجرحوا أبناءهم، لذا هم يجارونهم ويقدّمون لهم كلّ ما يطلبون، فيما الأولاد قد يقبلون رفض أهلهم. والرعاة قد يجبنون أيضاً في تعاطيهم مع رعاية النفوس، فيقبَلون بأمور يعرفون عدم صوابيتها ويغضّون النظر عن غيرها، خوفاً من أن ينفر هذا الشخص من الكنيسة أو يقاطعها ذاك، بينما بالحقيقة الابن الحقيقي لا ينفر ولا يقاطع.  والمعلّمون أيضاً قد يجبنون في قول الحق وكلمته، فيظهر الجبن في تهرّبهم من مواجهة الأسئلة أو في تلافيهم إعلان موقفهم من أمور قد لا تعجب السائلين أو تحرجهم. وهنا يأتي التفسير الخاص بالجبن عند قديسنا العظيم: “النفس المتكبرة عبدة للجبن تتكل على ذاتها باطلاً”. من هذا نستنتج أن الجبن الذي قد يأخذ شكل المحبة حيناً أو الحكمة والتروي حيناً آخراً، ولكن قد لا يكون في الحقيقة إلا عجباً وخوفاً على صورة الذات من أن تنكسر. فالأهل إذا أصيبوا بالتكبّر، حتى ولو كان مبطّناً، يخشون أن تنكسر صورتهم لدى أولادهم فيجبنون. والرعاة إذا خشوا على صورتهم أكثر من خشيتهم على صورة المسيح يجبنون. والمعلّمون إذا خشوا على شعبيتهم أكثر من خشيتهم على كلمة المسيح يجبنون.

ولكن قديسنا الحكيم يقدّم الدواء: التواضع والاتّكال على الله، فيختم بقوله: “مَن أضحى عبداً للرب يهاب الرب وحده… هذه درجة حادية وعشرون مَن صعدها فقد تأيّد قلبه وأسرع نحو ربّه”. إذاً، الجبن يعيقنا عن الإسراع نحو ربنا، لذا فلنتعلّم أنّ الشجاعة المستندة إلى الاتّكال على الله ضرورية لنغلب كبريائنا أولاً، فنحقق ما يطلبه الله منا مهما كانت رسالتنا في هذه الحياة.

Leave a comment