الإنترنت فوق رؤوسنا

الإنترنت فوق رؤوسنا

الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس

لقد تسرّبت الإنترنت بشكل ثابت إلى حياتنا على ما يظهر من كثافة استعمالها اليوم. لكن يبدو أن استعمال الأجيال الفتية قد بلغ حدّ الإدمان، من جهة اعتمادهم الكثيف عليها، ما يستدعي ضرورة إبرائهم بمساعدة اخصائيين في علم النفس. بحسب القواميس، الإنترنت وُجدَت كشبكة من الشبكات لتبادل المعلومات لأهداف علمية وتربوية وترفيهية. بالأصل، كان استعمال الإنترنت يستدعي الجلوس أمام مكتب عليه حاسوب. من ثمّ اختُرِع المحمول الذي سمح بحمل الإنترنت حيثما يذهب الإنسان. واليوم بإمكانه حملها في جيبه باستعمال الهواتف الذكية. لكننا نقرأ اليوم عن اقتراب الوقت الذي سوف نلبس فيه الإنترنت، مع اختراع الكومبيوترات الملبوسة التي سوف تكون مثل أدوات الزينة على الجسد البشري، والتي بدانا نراها اليوم بشكل أساور ونظارات. فالظاهر أن المرحلة التالية هي للإكترونيات الصغيرة (gadgets) التي سوف تتصل بالجسم وتتفاعل معه متخطية كل الأجهزة السلبية أي تلك التي تنفذ الأوامر التي تتلقاها وحسب.

يتوفّر اليوم بعض الأجهزة الإلكترونية فيما غيرها قيد التصميم. أحدها هو نظارات غوغل (Google Glass) المتمتعة بالقدرة على تسجيل الفيديو والتصوير والموسيقى. هذا يعني أن مَن يرتدي هذه النظارات قادر على تسجيل كل ما يجري ومشاركته على الإنترنت. جهاز جديد آخر هو (iWatch) الذي يوضَع على المعصَم كساعة يد عادية وبإمكانه تنفيذ برامج iPhone  و iPad.

بالطبيعة تعرّضت كل هذه الاختراعات للنقد بأنها تقوّض الشخص وتهدم حياته الشخصية، كون كميات ضخمة من المعلومات سوف تكون بتصرّف أشخاص مخادعين ما يعرّض المجتمع والجنس البشري لخطر عظيم، من هنا العنوان “الإنترنت فوق رؤوسنا” (وقد ورد قبلها في جريدة TA NEA في 3 نيسان 2013). فمع كل هذه الاكتشافات التكنولوجية، صار الإنسان جلاداً وضحية، كائناً ميالاً للتبعية، دائم التجسس على حياة الآخرين، وهذا ما يثير قضية حماية الخصوصية.

جاهد الإنسان ليصير إلهاً-إنساناً بسعيه إلى حيازة معرفة فائقة. تعكس هذه النزعة خطيئة الشيطان وخطيئة الجدين الأولين، كما تعكس الميل الاستحواذي الكامن خلف بناء برج بابل، وإلى كل هذا الرغبة في السيطرة على الإنسان الآخر. إن للألعاب الخطرة من هذا النوع نتائج على صحة الإنسان كما على حالته الروحية، بقدر ما يصير عقله مأسوراً بالمنطق وبالجو المحيط، فتغلبه الأفكار والصور والمخيلة. يصير إدراكه معتماً، وهذا ما شكّل الخطيئة الأولى من وجهة نظر اللاهوت.

إن هذه الحالة هي حالة سقوط وأسرٍ للفكر. الإنسان عالق في شَرك هو انعكاس لذاته، في حالة من محبة الذات. إن إعادة التأهيل من هذه الحالة هي أمر تستطيع كنيستنا أن تؤمّنه بتقليدها الهدوئي.

* عن http://parembasis.gr/2013/13_06_07.htm

 

Leave a comment