يسوع أول ضحية أمام العنف

يسوع أول ضحية أمام العنف

“يا أبا الآب…. أجِز عني هذه الكأس” (مر36:14)

ماريا قبارة

لغتنا اليوم مفعمة ومحبوكة بمفردات عنفية وحربية (صراع- مواجهات-خصومات- قتل-مناورات-جهاد-استراتيجيات…)، فقوى السلاح الهدّامة تتفاوت، فمن الكلمة إلى كرات الثلج إلى المدفعية والرصاص. فمتى أصبح الآخر خصمي وسدّ الطريق في وجهي أضطر إلى شلّ قواه؛ أو فالأسهل حذفه والتخلّص منه.

انفجار العنف هو دوماً علامة فشل ومظهر من مظاهر أفكار وهمية. العنف نظام مخالف لطبيعة ونظام الإنسان. ميّز الفيلسوف أرسطو في الأفعال بين: فعل موافق لطبيعة الإنسان، وفعل عنيف. الأول يُرجع الأشياء إلى موقعها الطبيعي، والثاني يعمل إلى إبعادها. نوع من هكذا أفعال عنفيّة يمتدّ ليتسع ويشمل مجالات أوسع في النواحي الأدبية والاجتماعية والسياسية والدينية. فاستخدام العنف في تغيير واقع سياسي يقود إلى عنف أكبر فأكبر. لا عنف أسوأ من عنف سلطة تدّعي الله ضامناً لها، أكانت سلطة دينية أم مدنية.

قاوم يسوع الشرّ والأذى، فخاصمته السلطات الدينية والمدنيّة. قاومَ التزمت الفريسيّ والعنف السياسيّ، ورفض تأليه السلطة بإكراه المواطنين للامتثال لها “أعطِ ما لقيصر لقيصر وما لله لله” (مت21:22). لم يحرض يسوع على العنف ولم يرضَ على استخدامه من قبل التلاميذ. لم يحمل سيفاً أو سلاحاً “ردّ سيفك إلى مكانه. لأنّ كلّ الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون ” (مت52:26).لم يحرّض شخصاً ضدّ آخر من أجله، ولم ينظّم أيّ جيش، ولم يأتِ لإقامة مملكة أرضية أو امبراطورية عالمية. رفض استراتيجية العنف بشجاعته الأدبية “إن كنت قد تكلَّمت رديّاً فاشهد على الردي وإن حسناً فلماذا تضربني” (يو23:18). رفض منازلة العنف بمثله، ورفض دينونة الإنسان للآخر.

ماتَ يسوع ضحية عنف السلطات الدينية لأنّه تجرأ فأعلن ذاته نبيّاً بالنسبة للسلطات الدينية في زمانه. ماتَ شاهداً للحقيقة، حاملاً في قلبه حباً للبشرية جمعاء، ولأعدائه، وللذين سيذيقونه الموت. لم يسفك يسوع دمّ البشريّة، بل سفك دمه هو. رضيَ أن يقدّم حياته ثمناً كي يسود السّلام على الأرض. دفعَ حياته على الصليب ساعياً إلى عدم إثارة أيّ عنف مباشر“طوبى لصانعي السلام. لأنّهم أبناء الله يُدعَون” (مت9:5)، “سلاماً أترك لكم. سلامي أعطيكم…” (يو27:14).

محاكمة يسوع بدأت في عهد معاصريه وستبقى مفتوحة إلى أن يقبل الإنسان التمييز بين مُلك القيصر وملكوت أبيه الأبدي. ففردوس الأبدية واشتياقنا له يفسرّ حبّنا للحياة وعيشنا مع إخوة إنسانية جامعة، وإلى مصالحة تتجاوز التناقضات، وإلى الفرح مع الله والآخرين. بهذا ينهزم عطشنا إلى السّيطرة، وحبّنا للقساوة فتختفي الاختلافات، ولا يعود الذئب ذئباً بل يرعى مع الحمل في فردوس السلام.

Leave a comment