تكرار القداس الإلهي ليس مضجراً

تكرار القداس الإلهي ليس مضجراً

الأرشمندريت تيخن، رئيس دير ستافرونيكيتا

نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

كل ما يجري ضمن القداس الإلهي ليس أفكاراً، بل هو حقيقة وخِبرة. عندما نقدّم كلّ شيء لله، هو يرسل لنا، بتواضع وإحسان، نعمة روحه الكلي قدسه ويحوّل الخبز والخمر إلى جسد ابنه ودمه، فعلاً وحقاً، ويقدّمه لنا بالمقابل لنتقبله ونتقدّس به، ونصير مشاركين جسده، نتذوّق نعمة القيامة، ونبدأ منذ الآن بعَيش الحياة الأبدية والتمتع بالأمور السماوية.

القداس الإلهي هو عمل لاستعادة مشيئة الله في حياتنا، وهذا العمل يتمّمه الكهنة والمؤمنون. كل المؤمنين يشاركون فعلياً في القداس باشتراكهم بأفعاله وكلماته كما يوضحها الكاهن والمرتلون إذ لا يمكن أن يتمّ هذا بطريقة أخرى. أمر مميز هو أن الكاهن لا يستطيع أن يقيم القداس الإلهي لوحده، بل هو يقيمه فقط كخدمة في الكنيسة كمتقدّم وممثل لجماعة المؤمنين. لهذا السبب هو يعلن: “التي لك مما لك” و”القدسات للقديسين”. ونحن نقول أننا جميعاً، بصيغة الجمع، أيقونات للشاروبيم نقدّم كل شيء ممجدين الله متقبّلين الأشياء الإلهية التي سبق فرآها القديسون. القداس الإلهي هو خَلق لنا جميعاً. إنه أعظم خلق للإنسان يؤدي إلى المعنى الأبدي وخلاص الحياة. كل مَن يصل إلى بعض الشعور بهذه الحقيقة ويشترك فيها ويعيشها، يبلغ إلى محبة  الليتورجيا الإلهية أكثر من أي شيء آخر في العالم، فيجد نفسه والله وخلاصه. إنه يلتقي فعلياً بأخيه الإنسان ويحب الجميع ويتعلّم معنى الخلق وقيمة الخليقة الحقيقية. إنه يتحرر من عبودية الأهواء ومقاومتها ومن الشيطان، ويكتسب حرية أبناء الله.

في جبل أثوس يُقام القداس الإلهي كل يوم بعد السحرية، ومع أننا نقيم الخدمة نفسها كل يوم إلا إننا لا نحس بالضجر، ولا نضجر، ولا نتعب. عندما يعيش المرء الليتورجيا الإلهية تصير كلماتها المقدسة باباً ينفتح على لقاء شخصي بإله شخصي وحقيقة شخصية. حياتنا بمجملها تصير تقدمة مهيأة لله واعية لمشاركتنا في الليتورجيا الإلهية. إنها أيضاً تمجيد لله ومجهود وصراع لوعي اشتراكنا في جسد المخلص الإلهي الشخصي طوال حياتنا ومن خلال كل خبرتنا الشخصية. نحن نجعل حياتنا ليتورجيا لا تنقطع تبدأ بسر الإفخارستيا وتنتهي وتتمّ به. بالليتورجيا الإلهية نحن نقدّم إلى الله كل أفكارنا وأعمالنا وجهاداتنا وآلامنا ومخاوفنا وآمالنا، كل ما لنا، لكي يحوّلها وينقذها. يقودنا القداس الإلهي ويدخلنا إلى أرض الأحياء، إلى الشركة مع الروح القدس، إلى مملكة الثالوث القدوس المباركة.

عندما نضجر في القداس الإلهي ويبدو لنا الذهاب إلى الكنيسة كل أحد مملاً ومتعباً، فاللوم ليس على اللغة الليتورجية ولا على أي شيء آخر، بل هو على جهلنا لهذا السر المتلطّف.

إن الفرق لكبير جداً إذا ما اشتركنا بوعي في القداس الإلهي وكأنه حدث شخصي في حياتنا.

Leave a comment