استعمال الوقت بحكمة

استعمال الوقت بحكمة

القديس إغناطيوس بريانشانينوف

نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

 

“لِكُلِّ شَيْءٍ زَمَانٌ، وَلِكُلِّ أَمْرٍ تَحْتَ السَّمَاوَاتِ وَقْتٌ” (الجامعة 1:3).

يحذّرنا الرسول بولس من هدر الوقت، وبحق يعلّمنا أن نستفيد من كل دقيقة  في حياتنا بحكمة: “فَانْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِالتَّدْقِيقِ، لاَ كَجُهَلاَءَ بَلْ كَحُكَمَاءَ،  مُفْتَدِينَ الْوَقْتَ لأَنَّ الأَيَّامَ شِرِّيرَةٌ.” (أفسس 15:5-16). في الحديث عن افتداء الوقت يوعّينا الرسول إلى أن الوقت يُستَعمَل لشراء بركات حقيقية تماماً كما أن المال يُستَعمَل لامتلاك ما نحتاجه في حياتنا المادية، وبالتالي الاستعمال الموافق للوقت مشابه جداً لاستعمال المال في اليدين الحسنة. السيّد الحكيم لا يبذّر بغباء، يجمع ممتلكاته كما ينبغي، ويحدد هدفاً خاصّاً لكل مبلغ من المال. علينا أن نعالج المال بطريقة مشابهة: نحدد الساعات والدقائق لهذا الهدف الصالح أو ذاك، نفتدي كل يوم بالأعمال الصالحة لأنفسنا وللآخرين. كل سنة تمرّ هي مثل درجات كثيرة على طريق الكمال الروحي على عدد الأيام في السنة، ولا ينبغي أن تضيع أي ساعة بما هو غير ضروري، أو بعدم القيام بأي عمل، وفي آخر الأمر استعمالها للقيام بعمل خاطئ.

يبدأ اليوم عادةً بالقيام من النوم. كيبف ينبغي بنا أن ننظر إلى لحظة النهوض؟ تماماً مثل اعتبار لحظة ولادتنا إلى العالم أو عند القيام من بين الأموات، لأن هناك تشابه كبير بين القيام من النوم والولادة. أثناء النوم نكون وكأننا غير موجودين. عندما ننهض من النوم نكون وكأننا وُلِدنا من جديد، نعود أحياء، نُقام.

الوقت الذي يلي النوم مباشرة ينبغي تمضيته في الصلاة قبل كل شيء. كل صباح يحمل لنا السعادة الورِعة لتمجيد الله الخالق لأنه سمح لنا مرة جديدة أن نرى عالمه المصمَّم بشكل فائق الجمال من أجلنا. في بداية اليوم نحن نبدأ حياة جديدة، وفي الحياة هناك مجالات كثيرة للتجربة والخطيئة لا يستطيع أن يتخطاها الإنسان الضعيف من غير معونة الله التي يكتسبها بالصلاة فقط. ومن ثم، ينبغي قضاء وقت في قراءة كلمة الله: إنه كتاب الحياة ويحتوي كل ما نحتاج إلى معرفته أو عمله أو التطلع إليه. بحسب القديس يوحنا الذهبي الفم، إنها رسالة الله إلى كل الجنس البشري. مَن لا يغذي نفسه بالعطية السماوية يجوّعها.

بعد هذا، يأتي وقت النشاط، وقت العمل. لكل منّا مهماته، أشغاله، وظيفته، حاجاته الخاصة. ولكن مهما كانت هذه، هناك قانون جوهري للجميع: “لاَ تَكُونُوا أَغْبِيَاءَ بَلْ فَاهِمِينَ مَا هِيَ مَشِيئَةُ الرَّبِّ” (أفسس 17:5)، اي عند بداية كل عمل اسألوا أنفسكم إذا كان موافقاً لمشيئة الرب.

كيف ينبغي أن نقضي وقت الترفيه أو الراحة؟ في تطبيق كلمات الرسول التالية: “ممْتَلِئُين بِالرُّوحِ مُكَلِّمِينَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا بِمَزَامِيرَ وَتَسَابِيحَ وَأَغَانِيَّ رُوحِيَّةٍ، مُتَرَنِّمِينَ وَمُرَتِّلِينَ فِي قُلُوبِكُمْ لِلرَّبِّ” (أفسس 18:5-19). أي إذا أردتم أن تقرؤوا خلال وقتكم الحر، اقرؤوا ما يكشف لكم حكمة الله. أترغبون بالخروج إلى المجتمع؟ أخرجوا، لكن حافظوا على المناقشة الورعة، المحادثة الحكيمة، النصائح والأحاديث الحسنة. أترغبون بالغناء والموسيقى؟ غنّوا ولكن بشكل خاص تلك الأغاني التي فيها تدفّقات النفوس النقية النبيلة. يمكن للأغاني الدنيوية أن تفسد النفس بتمجيدها الأهواء والرذائل وحماقة الإنسان.

بتعابير أخرى، قوموا بما تقومون به بالعادة ولكن بالمقابل: استبدلوا الشهواني بالروحي، الجسدَ بالروح، والدنيوي بالديني.

Leave a comment