جامعة الظلام

جامعة الظلام

إعداد راهبات دير مار يعقوب الفارسي المقطع، دده – الكورة

 

دعا إبليسُ رئيسَ جامعة الظلام وعمداءَ كلّيّات الجامعة إلى اجتماع مغلق وعاجل ليتدارس وإيّاهم أوضاع الجامعة ونشاط عمدائها وأساتذتها. كان إبليس يشتعل غضبًا وعيناه تقدحان نارًا، وهو ثائر على أعوانه الشياطين يقول لهم: “كلّكم متكاسلون، كلّكم خاملون. انظروا كيف خسرنا الكثير من ضحايانا من البشر. أين الآلهة الوثنيّة التي اخترعناها ونشرنا عبادتها على مدى أجيال وأجيال: إيزيس وجوبتير وفينوس و…؟ أين عبادة الفراعنة والملوك والأباطرة؟ أين الإلحاد الذي فقدناه؟ أين الشيوعيّة التي نشرناها والتي مُنينا بسقوطها فشلاً ذريعًا؟ أين… وأين…

ساد الصمت، برهة، احترامًا لحزن إبليس، ثمّ وقف عميد كلّيّة المجد الباطل، وقال: “نحن لا ننسى أتعابك وأعمالك، أيّها الرئيس، منذ غواية حوّاء إلى قتل هابيل إلى … إلى… لكنّنا نحن ناشطون وما زلنا نعمل وسوف نعمل حتّى نفني الإيمان كلّه عن وجه الأرض. فالإلحاد لا يزال موجودًا ولكن بأشكال حديثة، ولنا أتباع كثيرون. وانبرى شيطان الإلحاد يقول: “إنّني أبذل قصارى جهدي لإزالة الإيمان بواسطة تلميذي الشكّ، أو على الأقلّ زعزعة الإيمان بالله وبكتابه الذي يدعونه المقدّس”. فشجّع إبليس هذا الشيطان، ووعده إن استمرّ في نشاطه هذا أن يمنحه وسام الاستحقاق الإبليسي. وهنا وقف عميد كلّيّة الفساد، وقال متباهيًا: “اطمئنّ، أيّها الزعيم، فعلى الرغم من أنّنا خسرنا الكثير إلاّ أنّنا نعمل في ميادين متعدّدة، وكلّها مهمّة: في أفلام السينما، في أماكن الرقص واللهو، في الأنترنت، في بيوت الفسق… كما قدّمنا بدل الإلحاد عقائد جديدة كشهود يهوى والمرمون…، وهكذا جعلنا مؤمنين يحاربون مؤمنين.

ووقف عميد كلّيّة الخرافات وقال: “لا تنسَ، أيّها الزعيم، أنّ تلاميذي ينشطون كلّ النشاط في مجالات التنجيم وقراءة الكفّ والفنجان وضرب الرمل وما تقوله النجوم والأبراج”. فانبرى إبليس وقال: “ولكنّني أرى، رغم كلّ جهودكم، دور العبادة مزدحمة بالناس، حتّى إنّهم يعلّمون الأطفال الصلاة”. فانتصب عميد كلّيّة العبادة الشكليّة، وقال: “لقد تدخّلنا بسرعة لنبطل صلواتهم بواسطة التشتّت كتذكيرهم، أثناء الصلاة، بالأعمال الهامّة التي تركوها وراءهم، أو بالبورصة والمال. كما جعلنا من صلواتهم أن تكون لفظيّة، فقط، فأصبحت صلاة بلا روح وعادت غير مقبولة لدى إلههم”.

وهنا جاء دور عميد كلّيّة الغضب، فقال: “أنا، يا سيّدي، من أعظم أتباعك نشاطًا، ولي كثير من المساعدين: شيطان المشاجرة والخصام، شيطان الحروب، شيطان الفتن والدسائس، شيطان الكرامة الشخصيّة والحساسيّة الزائدة…”. ثمّ انبرى شيطان الزنا، وقال: “أمّا أنا، فلي نشاط ملحوظ، وأستطيع السيطرة على معظم أبناء البشر، وبخاصّة من كان منهم في عمر المراهقة. إنّي أوقع الغالبية من الناس في علاقات محرَّمة، وأزرع في أذهانهم بأنّها علاقات تفرضها طبيعتهم وغرائزهم وليست علاقات خاطئة، فيرتاحون ويمارسونها باقتناع. صحيح إنّ بعض الرهبان غلبوني كأنطونيوس وغيره، إلاّ أنّي لم أيأس، أنا أتعقّبهم حتّى أنتصر عليهم”. فهنّأ إبليسُ شيطانَ الزنا، وقرّر أن يمنحه وسام الأبالسة العظماء تقديرًا لجهوده الجبّارة.

ثمّ وقف عميد كلّيّة الذات، وقال: “يا زعيمي الجبّار، لماذا تغضب ظانًّا أنّ عبادة الأصنام قد زالت من العالم؟ كلا، يا سيّدي، أنا الصنم الجديد الذي يتعبّد له غالبيّة البشر اليوم، وعادوا لا يحتاجون معه إلى أصنام أخرى من الخارج، إنّما بإيحاءاتنا وأفكارنا جعلنا ذاتَ كلّ إنسان صنمَه. فكلّ جهاده صار محصورًا من أجل رفع كرامة الذات ومكانتها بين الناس، وحتّى خدمة الله أدخلنا فيها الذات، وكذلك الوعظ جعلناه قصد إبراز المعلومات. وأيضًا محبّة العالم والطمع والمتعة والسلطة والنفود والتعالي والكبرياء والقسوة…”. وهنا صفّق الحاضرون للذات تصفيقًا حادًّا، طالبين من إبليس مكافأة شيطان الذات التي أصبحت بامتياز الصنم الأوّل في هذا العصر.

حينئذ وقف إبليس ليختم الجلسة، ولكنّه سمع أصواتًا تحتجّ وسط جمهرة أساتذة جامعة الظلام، إذ وقف كلّ من شيطان التمرّد والعصيان والإغراء والخيانة وأخطاء اللسان والشائعات والتجديف واليأس والخوف والرشوة والإهمال والنسيان والفزع والخوف يطلبون أن يقدّموا هم أيضًا تقاريرهم وخبراتهم. غير أنّ إبليس وعدهم بذلك في جلسة أخرى. ثمّ قال بافتخار: “إنّي أهنّئكم جميعًا. بالحقيقة إنّكم تقومون بجهود جبّارة لإسقاط الإنسان، فهلمّوا بنا نتعاضد، أكثر فأكثر، لنلقي الناس في أحضاننا، وإلى اللقاء في اجتماع آخر”. علا التصفيق والهتافات بحياة إبليس والنجاح لجامعة الظلام.

Leave a comment