الشمعة والورقة

الشمعة والورقة

إعداد راهبات دير القدّيس يعقوب الفارسي المقطّع، دده – الكورة

 

وقفت الشمعة كعادتها بعد نهاية اليوم وغياب ضوء الشمس المبهر لكي تضيء المكان كلّه، وكان نورها جميلاً جدًّا وسط العتمة. وقفت الشمعة منتصبة فخورة بعملها، لأنّها كانت تعلم جيّدًا بأنّها تقوم بعمل هامّ وجميل ومفيد للآخرين.

وفي أحد أركان المكان نفسه كانت تجلس هناك ورقة تنظر جمال الشمعة الفرحة وتتأمّلها متنهّدة وغارقة في حزنها وضيقها الشديدين، وتقارن عملها بعمل الشمعة: فالشمعة تضيء للجميع، أمّا هي، فلا فائدة من وجودها ولا أهمّيّة، وكم تمنّت لو تستطيع أن تصبح شمعة، فيفرح الناس بها وهي تفرح لفرحهم.

وفي أحد الأيّام جلست الورقة تنظر إلى الشمعة وضوئها وهي تبكي وتطلب من الله بحرارة كي يعطيها ضوءًا كضوء الشمعة حتّى تضيء مثلها. فسمعها إبريق المياه الذي كان يقف إلى جانبها، وتعجّب جدًّا من بكائها، وسألها:

– آه، أيّتها الورقة العزيزة، لماذا تبكين هكذا؟

– إنّي حزينة جدًّا أيّها الإبريق العزيز.

– ما الذي أصابك؟

-لا شيء. بل أنا حزينة على حالي.

– وما هو حالك يا ترى؟ إنّي أراك بأحسن حال.

– أنت لا تعلم شيئًا. ألا ترى أنّي ورقة عديمة النفع؟

– ماذا تقولين؟ عديمة النفع؟

– نعم.

– أنت مخطئة جدًّا يا عزيزتي، فنحن…

– أرجوك دعني في مصيبتي، ولا أريد أن أسمع شيئًا حول هذا الموضوع.

وهكذا ابتعد الإبريق حزينًا على الورقة، وقرّر أن يفاتحها بالموضوع في وقت آخر، لكي يقنعها بأنّ لكلّ مخلوق وظيفة في هذه الحياة ودور، وبأنّ كلّ واحد منّا يقوم بما يتناسب وصفاته ومقدرته.

وأمّا الورقة، فقد قرّرت، بدورها، أن تغيّر واقعها بنفسها، فتقدّمت واقتربت من الشمعة المشتعلة، ومدّت أحد أطرافها إلى لهبها، حتّى تشتعل هي الأخرى وتضيء مثلها. وبالفعل اشتعل أحد أطراف الورقة، فشعرت بألم شديد، وبدأت تصرخ وتستغيث وهي ترى نفسها تحترق. فاشتمّ الإبريق رائحة الحريق، وأسرع لينقذ صديقته الورقة، وبدأ يصبّ من مياهه عليها حتّى استطاع بعد جهد أن يطفئها.

وبعد أن أنقذها من موت أكيد، نظر إليها معاتبًا، وأمّا هي، فلم تجسر على النظر إليه لشدّة خجلها منه. وبعد لحظات من الصمت، قالت الورقة للإبريق:

– أرجوك، يا عزيزي، أن تسامحني، فلقد كنت ورقة متكبّرة لا تقنع بواقعها.

– حسنًا، أيّتها الورقة العزيزة، أرجو أن تكوني قد أخذت درسًا مهمًّا في الحياة.

– ولكن، قل لي، ألا تفكّر أنت بأنّك عديم النفع مثلاً؟

– أبدًا، فأنا مسرور بأنّي ألبّي حاجة كلّ من كان عطشانًا وبحاجة إلى نقطة مياه يرطّب بها قلبه، ولا سيّما أثناء الصيف حيث الحرارة المرتفعة.

– حسنًا، ولكن ما هي فائدتي أنا؟

– أنت لك فوائد كثيرة، فأنت تملئين المكتبات، وعليك يكتب جميع الناس: الطبيب يكتب وصفته العلاجيّة للمريض، والمحامي يكتب عليك صكّ الإفراج عن سجين، والكاهن يكتب عليك صلواته والتلميذ يكتب وظائفه و… و…

– (بابتسامة عريضة) أوه لم أكن أعرف أنّي مشهورة وذات قيمة إلى هذه الدرجة. لقد أفرحت قلبي. شكرًا لك.

– ولكن، وقبل أن أتركك لا بدّ أن أقول لك ما يقوله القدّيس بطرس الرسول في رسالته الأولى…

– آسفة إن قاطعتك، ولكن هل كتب الرسول بطرس أكثر من رسالة؟

– نعم، لقد كتب رسالتين. والآن هل تريدين أن تسمعي  ما كتبه؟

– آه، نعم، بكلّ سرور.

– لقد كتب: “ليكن كلّ واحد بحسب ما أخذ موهبةً يخدم بها بعضكم بعضًا”. فهل ما زلت غير مقتنعة بفائدة وجودك؟

– آه، كلا. إنّي أشكرك.

– لا بل اشكري الله، إذ لو لم أكن قربك لكنت احترقت بكلّيّتك، واعلمي بأنّ الله لا يخلق شيئًا لا فائدة له. والآن، دعينا نأخذ لنا صورة تذكاريّة أنت وأنا والشمعة لكي نتذكّر على الدوام فائدة كلّ واحد منّا في الحياة.

– (بفرح) نعم، هيّا بنا.

Leave a comment