انتصار الأرثوذكسية ليس انتصار الشعب الأرثوذكسي على شعب آخر

انتصار الأرثوذكسية ليس انتصار الشعب الأرثوذكسي على شعب آخر

أنطوني متروبوليت سوروز

نقلتها إلى العربية جولي عطيه

نعيّد اليوم، كما في كلّ عام، في نهاية الأسبوع الأوّل من الصوم، لانتصار الأرثوذكسية. وفي كلّ سنة، يجدر بنا التفكير بمعناه، ليس فقط بمثابة حدث تاريخي، بل أيضًا في حياتنا الشخصية. بدايةً، علينا أن نتذكّر أنّ انتصار الأرثوذكسية لا يُقصد به انتصار الشعب الأرثوذكسي على شعب آخر. هو انتصار الحقيقة الإلهيّة في قلوب المنتمين إلى الكنيسة الأرثوذكسية، الذين أعلنوا الحقيقة التي كشفها الله، في استقامتها وصراحتها.

اليوم، علينا أن نشكر الله من كلّ قلوبنا لأنّه أظهر ذاته لنا، لأنّه بدّد الظلمة من عقول آلاف الناس وقلوبهم، لأنه، وهو الحقيقة، شاركنا بمعرفة الحقيقة الإلهية الكاملة.

مناسبة هذا العيد هي الاعتراف بشرعية تكريم الأيقونات. عبر هذا التكريم، نعلن عن أنّ الله – غير المنظور، غير الموصوف، الله الذي لا نستطيع إدراكه – صار حقًّا إنسانًا، أنّ الله اتخّذ جسدًا، وعاش بيننا متواضعًا وبسيطًا، لكن ممتلئًا مجدًا. وبإعلاننا هذا، نحن نكرّم الأيقونات لا بمثابة قدوة لنا، بل كونها إعلانًا لحقيقة التجسّد.

لا ننسَ أنّ تكريمنا هذا ليس للأيقونات المصنوعة من الخشب والألوان، بل تكريمًا لله الذي يكشف ذاته لنا في هذا العالم. خُلق كلّ واحد منّا وخُلق البشر كلّهم على صورة الله. كلّنا أيقونات حيّة، وهذا يلقي علينا مسؤولية كبيرة لأنّ الأيقونة قد تتشوّه، قد تُحوَّل إلى رسم كاريكاتوري وإلى تجديف. علينا أن نفكّر وأن نتساءل: هل نستحقّ أن ندعى “أيقونات” وصورًا لله؟ وهل نحن قادرون على ذلك؟ عند لقاء شخص مسيحي، وكما قال كاتب غربي، على الناس أن ينظروا إليه كأنّه رؤيا، كأنّه كشف لشيء لم يسبق لهم أن رأوه من قبل. وقال إنّ الفرق بين غير المسيحي والمسيحي هو كبير وأساسي وبارز مثل الفرق بين التمثال والشخص الحيّ. قد يكون التمثال جميلاً لكنّه مصنوع من الحجر أو الخشب، وهو ميت. وقد لا يظهر الكائن البشري جميلاً في البداية، لكن على الذين يلتقون به أن يكونوا قادرين، وكما عند إكرام الأيقونات المباركة التي كرَّستها الكنيسة، على رؤية إشراق حضور الروح القدس فيه، وعلى رؤية الله مُظهرًا ذاته في الهيئة المتواضعة لكائن بشري.

طالما أنّنا لسنا قادرين على تحقيق هذه الرؤيا للمحيطين بنا، نفشل في مهمّتنا، ولا نعلن انتصار الأرثوذكسية من خلال حياتنا، بل نكذّب ما نعلنه. لذلك، يجدر بكلّ واحد منّا، وبنا جماعة، أن نتحمّل المسؤولية جرّاء عدم اهتداء العالم، إثر لقائه بالمسيحيين، عبر رؤيته لحضور الله في وسطهم، محفوظًا في أوان خزفية، لكن ممجّدًا ومقدّسًا ومتجلّيًّا.

ما ينطبق علينا كأشخاص ينطبق تمامًا على كنائسنا. دعا المسيح كنائسنا، باعتبارها عائلة وجماعة من المسيحيين، إلى أن تكون مجموعة أشخاص متّحدين الواحد مع الآخر بالمحبة الكاملة، بالمحبة المضحّية، بمحبة هي محبة الله لنا. دُعيت الكنيسة وما زالت تُدعى إلى أن تكون مجموعة أناس ميزتها هي في كونها محبة الله المتجسّدة. للأسف، ما نراه في كنائسنا ليس معجزة الحب الإلهي.

من البداية، وللأسف، بُنيت الكنيسة على صورة السلطة – هرمية وصارمة ورسمية. فشلنا في أن نكون على ما كانت عليه الجماعة المسيحيّة الأولى. كتب ترتليان لحاكم روما مدافعًا عن المسيحيين فقال: “عندما يلتقي الناس بنا، يتوقّفون ويقولون: “كم يحبّ هؤلاء الناس بعضهم بعضًا!””. نحن لسنا مجموعة من الناس يُقال عنها ذلك. وٍعلينا أن نتعلّم إعادة إحياء ما أراده الله لنا وما كان موجودًا في السابق: إعادة إحياء الجماعات، الكنائس، الرعايا، الأبرشيات، البطريركيات، والكنيسة بكاملها، بحيث يصبح كامل الحياة وواقعها محبّة. للأسف، لم نتعلّم ذلك بعد.

بالتالي، عندما نعيّد لانتصار الأرثوذكسية، علينا أن نتذكّر أنّ الله انتصر، وأنّنا نعلن الحقيقة، حقيقة الله الكاملة، هو الذي تجسّد وكُشف لنا. وإنّنا، جماعة وأفراد، نأخذ على نفسنا التزامًا عظيمًا بأن لا ننقض إعلاننا عبر طريقة حياتنا. قال لاهوتي غربي إنّنا قد نعلن الحقيقة الارثوذكسية الكاملة ونشوّهها في الوقت عينه، ونحوّلها إلى كذبة من خلال طريقة عيشنا، مظهرين عبر حياتنا أنّها عبارة عن كلمات لا عن واقع. علينا أن نتوب عن ذلك، علينا أن نتغيّر، لكي يرى الناس فينا، عند لقيانا أفرادًا وجماعة، حقيقة الله ونوره ومحبته. ما دمنا لم نفعل ذلك، لن نشارك في انتصار الأرثوذكسية. انتصر الله، لكنه كلّفنا بأن نجعل من انتصاره انتصارًا لحياة العالم أجمع.

إذًا، لنتعلّم العيش وفق الانجيل الذي هو الحقيقة والحياة، ليس فقط فرديًّا بل أيضًا جماعيًّا، وأن نبني مجتمعات مسيحيّة تكون كشفًا لذلك، حتى عندما ينظر العالم إلينا يقول: “لنُعِد تشكيل مؤسّساتنا وعلاقاتنا، لنجدّد كل ما انقضى أو ما زال قديمًا، فنتحوّل إلى مجتمع جديد تزدهر فيه حياة الله وتنتصر. آمين.

Leave a comment