حوار الروح والخطيئة

الخورية سميرة عوض ملكي

قالت الروح للخطيئة: إلى متى ستتسلطين عليّ؟ إلى متى ستقاتليني كحيوان مفترس؟ إلى متى ستكبّلين جناحيّ بالأهواء كي لا أطير؟ أمواجك الهائجة تجعلني مهددة دائماً بالغرق. وجودك يَشيع عبوديتي. شوكتك تسبّب تمزّقات مؤلمة فيّ. فالَتِمسي الحبّ، ذلك السرّ الذي يفعم القلب فرحاً ويشعله بمحبة الله والقريب. أصرخي بتهليل: تعالَ إليّ، يا حبّيّ العذب، يا يسوع يا نور حياتي. فيحررنا معاً من أهوائك المُهلِكة ويفكّ قيودنا ويُصعِدَنا من الهاوية وظلمات الجحيم. ولا تكوني من بعد عدوّة الجنس البشري.

فأجابت الخطيئة باستياء: أنا عدوّة الجنس البشري!! كيف هذا وأنا أسلب قلوبهم وعقولهم؟ كيف هذا وأنا أنمو وأتكاثر والمحبّة يصيبها العقم. أنا أُحَبّ وهي تُبغَض. أدعوهم فيهرعون إليّ سريعاً. أناجي أفكارَهم فيهيمون بي. أغريهم بمباهج العالم فيتهلّلون لتلك الجنّات والنعَم. فما حاجتي إلى المحبة المنكَرَة؟

فقالت الروح: ألم تسمعي قول الرسول بولس: “مَن يفصلني عن المحبة؟فكلّ مَن أقام في المحبّة أقام في الله والله فيه لأنّ الله محبّة. وهو يدعو الكلّ إلى أن يقيموا في المحبّة وفيه، لأنّ أبناء المحبّة هم عاشقون إلهيون ويجاهدون حبّاً به. لكن أنتِ التي تَجِدّين في إثرهم وتتآمرين عليهم وتنصبين فخاخك وتدفعينهم إليها.

فردّت الخطيئة بسخرية: “أين هم هؤلاء المجاهدون؟ أين هم أبناء المحبّة؟ الكلّ بات يصغي إلى صوتي، الكلّ بات يصدّق كلمتي. وهاكِ منّي سيلٌ من الأمثلة: رأيت كُثُراً ممن زهدوا بالمال وكانوا يذكرون الفقراء، فأوحيتُ لهم بأنهم لا يستطيعون شيئاً من دونه فعادوا إلى التعلّق به وبالمقتنيات إلى درجة العبادة. زيّنتُ للبعض الأمتعة الدنيوية غير المحتشمة فطرحوا سريعاً عند أقدامها الحشمة الداخلية. أعلمتُ شيوخاً مجاهدين قد طحنوا بالنسك أجسادهم، أنّ بعض الإخوة قد سقطوا بالخطيئة فتفرّغوا لدينونتهم ففرحتُ لأنّي تبيّنتُ أنّهم طحنوا نفوسهم بي وليس بالنسك. همستُ في آذان الشباب بأنّ الحبّ الجسديّ هو على منوال الحبّ اللاجسدي فاحتقروا سرّ الزواج والعفّة والطهارة وصار الزنى هاجسهم. مدحتُ الناس بالكلام الجميل فانتفخوا بالعُجب والكبرياء والمجد الباطل والغرور فأنسيتُهُم بهذا آثامهم.

وفي النهاية وجدتُ أنّ من الأفضل كي أنتزع منهم كلّ الفضائل، التي أبغضها، أن أمنحهم عدم الحسّ لأنّه أبو الرذائل وقائد جنودي، فلا يعودوا يهتمّون لا بالمحبّة ولا بالتواضع ولا بالوداعة ولا بالصلاة، ولا بعدم الكبرياء ولا بعدم الطاعة ولا بعدم الكذب ولا بعدم الثرثرة ولا بعدم الحقد ولا بعدم الشراهة ولا بعدم النميمة. وماذا أقول بعد؟ إن كان الله خلق الملائكة ومن أجلي حوّلوا أنفسهم أبالسة، فأيّ جرم عليّ؟ إن كان الأخ يبغض أخاه، والصديق يخون صديقه، والموظف ينتهك وظيفته، والرئيس يفرض سلطته، والقوي يستغلّ الضعيف، وكلهم يفعلون ذلك بملء حريتهم، فأيّ جرمٍ عليّ؟

أجابت الروح بسلام: كلّ أفعالك هذه لن توقعني باليأس لأنّ قوّة المحبة تكمن في الرجاء لأن المحبة لا تسقط أبداً، وهي مثال الصورة الإلهية وكنز المؤمنين الأثمَن، بها يبزغ نور الشمس الروحية في النفس لأنّها صورة جزيلة العذوبة ليسوع الجزيل العذوبة، كما يقول القديس نكتاريوس. وأنا على يقين أنّ بالمحبة سأبقى مشغوفة بالله ولن أتفكّر إلاّ بأقواله وكلّ رغبة من رغباتك وكلّ عاطفة أو ميل غريب عن المحبّة الإلهية سوف أطرحه بعيداً كمُحتقَر. لا تكوني واثقة جداً فصراعنا لم ينتهِ. مَن يصبر إلى المنتَهى فهذا يخلُص.

Leave a comment