الصليب

حول الرسالة إلى غلاطية 11:6-18 (الأحد قبل رفع الصليب)

عن الميتروبوليت بولس يازجي بتصرّف

يلخّص هذا النص التناقض الذي كان قائماً بين بولس واليهود، والذي قد يكون مستمراً بين المؤمن والمجتمع اليوم. كان الختان علامة انتماء الفرد إلى اليهودية وبدونه لم يكن له الحق حتّى بالاحتفال بالفصح. واليوم تأخذ كل الأديان والحركات رموزاً وعلامات تشير إلى فرادتها وميزتها. فالختان كان رمزاً للعهد الذي بين الله وشعبه في العهد القديم. وفي المسيحية رموز وطقوس كثيرة ومنها إشارة الصليب. لكن يمكن أن لا يحمل المسيحي صليباً على صدره ويبقى مسيحياً أما المعمودية فهي العلامة التي بدونها لا يكون الإنسان مسيحياً. لكن هذه المعمودية قد تفقد معناها العميق وتنقلب إلى قشور وعادات عندما لا يحفظ الإنسان ما يترتّب عليها. فالمعمودية ليست ختماً على جبهة أو علامة على الأعضاء. المعمودية باب للعيش العميق في الكنيسة. لا تُدخِلنا المعمودية إلى حالة ثابتة، أي حالة المعمّدين، بل إلى حالة ديناميكية هي حالة المجاهدين. فالرب عندما يقول أنه الكرمة ونحن الأغصان ويقول أن مَن يثبت يأتي بثمر كثير لا تكون العلامة عندها مزيّة بل مسؤولية. جهاد المسيحي هو في أن يحافظ على حلّة المعمودية أي أن يصير الخليقة الجديدة. هذا لا يكون بمجرّد حمل الصليب أو المشاركة في بعض الأعياد بل في أن نلتزم بحياة الكنيسة وآدابها.

آداب الكنيسة هي فضائلها أي الصلاة والصوم والإحسان والتواضع. إنها آداب سمّاها بولس الرسول عثرة لليهود وجهالة للأمم. إنها آداب شكلها شكل صليب في العالم. فضائل المسيحي وآدابه هي الوداعة ونقاوة القلب والحزن من أجل البِرّ وتحمّل الاضطهاد من أجل اسم يسوع. حياة الكنيسة هي طقوسها. كيف نكون في الكنيسة حين تكون الكنيسة صائمة ونحن غير صائمين؟ أو عندما تكون الكنيسة ملتئمة حول الكأس المقدسة في القداس ونحن متغيّبون لأسباب غير مقبولة؟ تتمحور حياة الكنيسة حول طقوسها وتعيش على أسرارها سر التوبة والشكر بشكل خاص.

ماذا يعني الانتماء إلى الكنيسة حين لا نحيا فيها في الزمن أي لا نمارس طقوسها. الكنيسة ليست، كما يفسرها بعض البروتستانت، أن نفهم الكتاب المقدس ونحفظ بعض الوصايا. الكنيسة هي حياة مؤمنين يتقدّسون حول سيدهم معاً ويعيشون على الخبز الجوهري. ليست المسيحية ديناً فردياً يقرأ كل بمفرده الكتاب ويحفظ حدود الشريعة الجديدة، فيقوم ببعض الإحسان ويتجنّب الخطيئة. هذه صور عن مفاهيم مجتمعاتنا ومدنياتنا الحديثة التي نسيت أن الله هو ربّ عائلة وليس قاضٍ على أفراد. لا تُفَسَر المعمودية إلا إذا حمل صاحبها في داخله سمات يسوع أي الأتعاب والسهر والصوم والصلاة والسعي للبشارة. عندها يكون عضواً ثابتاً بالجسد وغصناً بالكرمة التي هي المسيح ويحقّ له أن يفتخر بصليب المسيح “الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ.”