هل من الجيد حضور التلفزيون؟

هل من الجيد حضور التلفزيون؟

الأب سيرغي سفشنيكوف

في هذه الأيام، معظم الناس يستهلكون الكثير من محتوى وسائل الإعلام المختلفة، من البرامج التلفزيونية والأفلام والموسيقى والكتب والمجلات والإنترنت، وربما بعض الأشكال الأخرى من وسائل الإعلام التي يلمّ بها المراهقون فقط. معظم الناس يدركون أن بعض المحتويات، كالمواد الإباحية مثلاً، لا تتوافق مع الإيمان المسيحي، حتى لو لم يكونوا يعرفون السبب بالتحديد. ولكن في العديد من الحالات الأخرى، قد يكون من الصعب تحديد ما إذا كان أحد الأفلام أو الأغنيات مناسب أو لا، أو ما إذا كان متوافقاً مع الإيمان المسيحي. آمل أن تكون النقاط التالية مفيدة في هذا الشأن.

ينتشر اليوم شعار “أنت تعيش مرة واحدة (YOLO: you only live once)”. بطريقة أو بأخرى، أصبح هذا الشعار بمثابة ترخيص للناس للقيام بأشياء يترددون عن القيام بها إذا ما افتكروا بحكمة. ولكن هذه العبارة الجذابة يجب أن تذكّرنا بحقيقة أن الوقت الذي لدينا في هذه الحياة الدنيوية محدود. نحن نادراً ما نهتمّ لقيمة هذا الوقت. فعلى نطاق أصغر، نحن جميعاً نفهم ما معنى أن يكون لدينا مهمة كبيرة بينما الوقت المُعطى لإنهائها قليل جداً. نحن جميعاً نفهم معنى العمل ضمن مهلة محددة. الأمر نفسه ينطبق على حياتنا إذ يوجد لها موعد أخير هو موتنا الجسدي. أمّا المهمة فهي حقاً عظيمة: الاستعداد للحياة مع الله. وهذا يعني ضرورة أن تساعدنا أولوياتنا على إكمال هذه المهمة العظيمة.

فكّر الآن في مقدار الوقت الذي يمكن أن تنفقه في مشاهدة البرامج التلفزيونية غير المجدية، والأفلام التي تثير الحواس آنياً ومن ثمّ لا تترك لكَ ما يستحق إضاعة ساعتين ونصف من أجله، أو تصفّح حياة الناس الآخرين على وسائل الاعلام الاجتماعية، بدلاً من أن تعيش حياتك. إذا كنت تنفق ساعة واحدة فقط كلّ يوم على هذا (وكثيرون يقضون أكثر بكثير!)، فإن مجموع ما تفقده يبلغ يوماً شبه كامل في الشهر، أو أسبوعاً كاملاً من كلّ عام. قد لا يبدو ذلك كثيراً، ولكنه يصل إلى عام كامل ببلوغك الخمسين من العمر: سنة كاملة ضائعة بالكلية! إذا أعطيَ لك عاماً كاملاً للقيام بكل ما تريد، فهل كنت تقضيه في مجرّد الجلوس على الأريكة ومشاهدة التلفزيون والإعراب عن الإعجاب (like) بمشاركات الآخرين على فيسبوك؟ لذا هذه هي المشكلة الأولى: التلفزيون يضيّع الكثير من الوقت الذي من الأفضل قضاؤه في عيش الحياة التي منحها الله لنا لغرض محدد: لنتعلم أن نكون معه.

أنت ما تأكل (You Are What You Eat)

نحن غالباً ما نتمتّع بالكثير من الحس السليم نحو ما نأكل: إذا كان الشيء طازجاً وصحياً نأكله، أمّا إذا كان فاسداً أو ساماً فنبتعد عنه. ونحن نعلم أننا بأكلنا ما هو فاسد أو سامّ نمرض وقد نموت. لماذا إذاً لا يكون لدينا الحسّ السليم نفسه في ما يختصّ بأذهاننا؟ لماذا نسمح لأشياء سامة بأن تدخل إلى عقولنا؟ ما نتركه يدخل إلى عقولنا عبر الأعين والآذان قد يكون أكثر خطراً من الطعام الفاسد. قد يضرّ الطعام الفاسد بأجسادنا فقط بينما التلفزيون السيء بإمكانه أن يفسد عقولنا ونفوسنا؟ حسناً، أمن الموافق أن نتفرّج على شيء “قليل السوء”؟ أمن الموافق أن نأكل طعاماً قليل الفساد؟ لا نفعل ذلك. لا نخاطر بأن نمرض. لمَ لا نطبّق الحكمة نفسها عندما يتعلّق الأمر بعقولنا؟ عندما ترى شيئاً لا يمكنك إلا أن تراه. قد تخرِج ما في معدتك لكن ذهنك لا يتطهر بسهولة.

الكثير من العروض والأفلام لم تُنتَج لمنفعتنا بل هدفها جمع المال للذين أنتجوها والذين قد يلجئون إلى كافة الطرق والأهواء الخاطئة لكي يحفظوا انتباهنا. هناك سبب لتحوّل العروض بشكل ثابت نحو المزيد من الجنس والعنف: لأن الجنس والعنف يشدّان الناس ويسيطران على انتباههم. لكنهما فوق هذا يغلغلان الخطيئة في عقولنا. هذه الخطيئة بشكل أفكار وذكريات تبقى في عقولنا لوقت طويل بعد انتهاء العرض وتدفن نفسها عميقاً في كياننا. في هذا نرى أننا “لسنا نصارع فقط العادات السيئة والتلفزيون الإباحي ومختلف ضعفات أجسادنا. نحن نصارع أيضاً أرواح الشر وعلينا أن نتعامل بجدية مع الملائكة الساقطين ومع هذا الصراع”. إن تأثير وسائل الإعلام على عقولنا هائل. الناس بالغالب على استعداد للإيمان بكذبة لمجرد أنهم رأوها على التلفزيون، ويصيرون معتادين على الخطيئة وفاقدي الحس من ناحيتها لأن “الجميع” في الأفلام يقوم بها، أو قد يشترون شيئاً لم يخطر وجوده ببالهم لكن أحد الإعلانات أخبرهم أنهم يستحقونه وينبغي امتلاكه.

ما العمل؟

  1. كمسيحيين، هدفنا الرئيسي هو العيش مع المسيح. فلنضع قانوناً بأن نعطي حياتنا الروحية نفس المقدار من الوقت الذي نعطيه للتسلية. لهذه الحياة الروحية أساليب تعبير مختلفة: الصلاة، قراءة الكتاب المقدس، الاشتراك بالخدم الكنسية، أو مساعدة الآخرين ودعمهم. لكن المهم أنك في سن الخمسين لا يكون ما قد أمضيته أمام شاشة التلفزيون سنة كاملة بل بالمقابل قد قضيت هذه السنة عاملاً على علاقتك بالله.

  2. احفظْ نفسك كما تحفظ معدتك. انتبه لما تدخِل إلى فكرك بقدر ما تنتبه إلى ما تدخِل إلى جسدك، لا بل انتبه أكثر من ذلك لأن نفسك على المحك. تذكّر قول الرسول بولس: “كُلُّ مَا هُوَ حَقٌّ، كُلُّ مَا هُوَ جَلِيلٌ، كُلُّ مَا هُوَ عَادِلٌ، كُلُّ مَا هُوَ طَاهِرٌ، كُلُّ مَا هُوَ مُسِرٌّ، كُلُّ مَا صِيتُهُ حَسَنٌ، إِنْ كَانَتْ فَضِيلَةٌ وَإِنْ كَانَ مَدْحٌ، فَفِي هذِهِ افْتَكِرُوا.” (فيليبي 8:4).

  3. جرّب الأيام من دون تكنولوجيا. لربما، مرة في الأسبوع أو مرة في الشهر، حاول أن تطفئ تلفزيونك وهاتفك وحاسوبك وكل الأجهزة الأخرى وانخرط في العالم الذي خلقه الله بشكل فائق الجمال. أفضل الأوقات للحد من إلهاءات التكنولوجيا وتضييع الوقت هي فترات الأصوام. في اللغة الروسية، كلمة “صوم” هي في الوقت نفسه “حماية”. كُن على أهبة الاستعداد، احرسْ نفسك من أولئك الذين يريدون أن يستغلّوا ضعفات طبيعتك لكسبهم الشخصي ومن الشياطين الذين يريدونك أن تكون ممتلئاً بالقذارة مثلهم.