شريك العمر

شريك العمر

الخورية سميرة عوض ملكي

ثمّة جرح بليغ في كنيستنا، وقليلون هم الذين يلاحظونه أو يدركونه، يكمن في سوء اختيار الشريك. لقد كتب الكثيرون عن لاهوت سرّ الزواج وحلّقوا به إلى السماء ولكن يبقى التطبيق على الأرض.

مَن كان يظنّ قط أنّ اختيار الشريك المؤمن سيصبح صعباً إلى حدٍ كبير وقد يكون مستحيلاً. قد يرى البعض في هذا تشاؤماً ولكن مَن ينصت إلى هواجس الشباب المؤمن، والشابّات بخاصةٍ، ويشاطرهم مشاكلهم يعي ما يعانوه في هذا الموضوع. ومردّ ذلك أنّ القِيَم المتعلّقة بالزواج بدأت تتدهور بشكل سريع وعنها تنتج الاختيارات الخاطئة، فلم يعد الرباط يتخطّى، في أحيان كثيرة، الحاجة النفسيّة والجسديّة أو البروتوكول الاجتماعي.  ومن أهمّ اﻷحاديث التي باتت تُسمَع أصداؤها بين الشباب، والتي تدلّ على تدهور القِيَم المذكور: “لماذا يهرع الشاب إلى الفتاة الدلّوعة، المدللة، المغرية، ذات الجسد البارز… وينفر من الفتاة المحتشمة، الخجولة، التقيّة ويصفها بأنها معقّدة؟ أو العكس: “لماذا أصبحت الشابّة، ولو كانت مؤمنة، لا يلفت انتباهها إلا الشاب الذي يضع حلقة في أذنه أو يتباهى بممارسة كمال اﻷجسام، أو تظهر عليه علامات الثراء… ﻷنّ في رأيها أيضاً مَن هو على خلاف ذلك ليس على الموضة ومعقّد؟”

فأين أصبحت تلك القِيَم التي يتحدّث عنها لاهوت الزواج؟ أين دور الكنيسة كطبيب لشفاء هذا الجرح؟ أين دور اﻷهل في تنشئة أوﻻدهم على معرفة اﻷولويات في اختيار شريكهم؟ مَن سيشهد للحق، من العلمانيين أو الإكليروس، ويُعيد للرباط قدرته على الشهادة للمسيح وبناء عائلة مسيحية أرثوذكسية تكون كنيسة صغيرة حيّة شاهدة لله بحياتها وسلوكها؟

فالله هو الذي أودَع في قلب الإنسان رابط الزواج والشركة واﻹنجاب، لكن يبقى للإنسان القبول أو الرفض. فلايحتجّ البعض بأقوال مثل “الحياة قسمة ونصيب” أو “الدني نصيب” أو “هيك الله راد”، فهذا لا يمتّ إلى الإيمان بصِلة ﻷن الله خلق اﻹنسان حرّاً لكي يختار بنفسه ما لنفسه.

وثمّة أسطورة صغيرة جميلة تتحدّث عن حرية اﻹنسان في قبوله أو رفضه لعيوب شريك عمره. فهي تقول بأن الله أخذ جمال القمر ورشاقة القصب وطراوة الورد، حنان النظرة وتقلب النسيم، دموع السحاب وابتسامة الشعاع، حياء الأرنب وكبرياء الطاووس، حلاوة العسل وحرارة النار، ثرثرة صرّار الليل وهدهدة الحمام، ثم جبله، فكانت المرأة، وكانت ظريفة مغرية، جميلة والله أعجب وافتخر بها، ثم وهبها للرجل. وبعد ثمانية أيام أعادها الرجل إلى الله قائلاً: “رب! إن المخلوقة التي وهبتني تعكّر عليّ صفاء العيش، فهي تثرثر بلا انقطاع، تندب حظّها، تبكي وتضحك في آن واحد، إنها قلقة، نكدة، مزعجة، لا تترك لي مجالاً للراحة… رجوتك، رب، استعدها، فإني لا طاقة لي على العيش معها”. هزّ الله رأسه واستعادها…     بعد ثمانية أيام أخرى، عاد الرجل إلى الله يقول: “رب، ما أوحش الحياة، منذ أن رددت لك تلك المخلوقة العجيبة! ما كان أعذبها وهي ترقص أمامي وتغني، تسرح وتمرح… لا، ليس فوق الشجر من طيب الثمر ما يفوق معانقتها طيبًا. رجوتك، أعدها لي، فإني لا طاقة لي على العيش بدونها. هز الله رأسه وأعادها… وبعد ثمانية أيام أخرى، وإذا بالرجل يسير بامرأته إلى الله ويقول: “لست أدري ما بي، لكني على يقين من أن هذه المخلوقة سبب انزعاج أكثر منها سبب ارتياح. رجوتك، رب، استعدها، فإني لا أريدها”. أجابه الله: “عد بها إلى كوخك يا هذا، وتعلّم كيف تعايشها. لا، لن استعيدها هذه المرة، لأنك سوف تعود إلي، بعد ثمانية أيام، وتطالبني بها بشدة. إذهب عني”.  انسحب الرجل وهو يردد في ما بينه وبين نفسه قائلاً: “آه ما أشقاني! شقيّ أنا إن عشتُ معها، وشقيّ إن عشتُ بدونها”.

ما يمكن تعلّمه من هذه القصّة أنّ المؤمن الحقيقي يؤثِر الإيمان على أي شيء آخر وحبيبَه على نفسه، ويقبل كل صفات معشوقه ويدرك كل الإدراك أن ليس أحد كاملاً على اﻷرض إﻻ الله وحده، وأن العلاقة مع الشريك ليست دائماً “عذوبةً وطيبَ ثمر” وﻻ هي كلّها نَكَدٌ وإزعاج. فللحياة صعوبتها وحلاوتها لكلا الشريكين. والدواء هو أن يجعلا المسيح ثالثهما، بإيمانهما الواحد وفكر المسيح الواحد، فيتخطيا كل هذه اﻷمور إذ “يجاهدان معاً بمؤازرة الروح القدس” لتحقيق الصورة النقيّة الأولى التي رسمها الله للزوجين اﻷولين (آدم وحواء) والتي لم يحافظا عليها، وهي صورة الحبّ الحقيقي والاتحاد الكياني فينموا بالقداسة والارتفاع الروحي الداخلي، سعياً نحو ملكوت أضاعته الكبرياء والأنانية والعناد.