الشباب والرعية

الشباب والرعية

الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس

ضمن الكنيسة وفي فضاء الرعية، يستطيع الشباب إيجاد المجتمع الأصيل في المسيح واهتمام الأب الحقيقي ، حتى لو كانوا قد خُذِلوا من المجتمع ومن أسَرِهم. بطبيعة الحال، يمكن أن يكون في الكنيسة أخطاء وتقصير عمّا ينبغي أن يُرجى، ولكن في النهاية ما له قيمة هو أن الكنيسة ليست منظمة، بل هي كائن إلهيبشري، لأنها جسد المسيح. فنحن نعلم جيداً أن جراح الصليب في جسد المسيح القائم من بين اﻷموات هي علامات مجده. فمن خلال هذه الجراح أدرك توما الرسول ألوهية المسيح، على حدّ قول القديس غريغوريوس بالاماس.

عندما تعمل الرعية بشكل صحيح، تكون عائلة واحدة. هناك يمكن إيجاد الأب الروحي، الإخوة والأخوات الروحيين، والمجتمع الحقيقي الذي لا تحدده عناصر الميلاد البيولوجي، بل عناصر النهضة الروحية. الرعية ذات التنظيم الجيد هي في الواقع مجتمع علاجي يعمل بشكل أفضل من مجتمعات العلاج الإنسانية والنفسية. هذا لأنّ، وبصرف النظر عن الأمان والتغطية العاطفيَين والنفسيين، فإن الشخص وخصوصاً الشباب إذ يجدون حلاً لقلقهم الداخلي، ومعنى لحياتهم. وهذا يحدث لأن الكنيسة سرّ، إنّها سر ترسيخ عشق (eros) الإنسان وشركة الناس مع الله.

ضمن الكنيسة يختبر الشباب الحب الحقيقي والحرية الحقيقية. فهم يدركون أن لا علاقة للحب بالضرورة البيولوجية، بل بحرية التجدد الروحي. والحرية لا تقتصر على اختيار من الاحتمالات، بل هي تعالٍ أنطولوجي على الموت والحواس والمشاعر.

وإذا تعذّر على الشباب العثور على هذا الجو العائلي في الكنيسة، أي في الرعية، فسوف يجدونه، وأحياناً بعد تفتيش مأساوي، في الأديرة الأرثوذكسية. هناك سَيَرَون الكنيسة باعتبارها مستشفى وأسرة. وسيفهمون أنه في مثل هذا الجو تُحَلّ جميع مشاكلهم – مشاكل المجتمع والبيئة والوجود. عندها فقط يمكننا أن نشعر بأن الكنيسة ليست أيديولوجية للحفاظ على العالم من خلال المركزية البشربة، لكنها الحياة التي تُجدِّد وتحوِّل الذين يدخلون فضاءها المقدّس.

هناك اهتمام بالأحزاب السياسية والأديان والعلوم النفسية والمنظمات الاجتماعية، وهذه جميعها تحدِر الشخص إلى رقم. وهذه تحبِط الناس وتزيد من عزلتهم. ضمن الكنيسة، عندما تعمل بشكل أصيل، لا يكون المرء نفعياً، بل هو صورة الله المتحرّكة نحو شبه الله، وهو مدعو من الله، وفقاً لملاحظة القديس باسيليوس الكبير.

المسيح ليس عرفاً، وﻻ عادة ولا فكرة، بل هو الطريق والحق والحياة” (يوحنا 14: 6).

من كتاب: Γέννημα και θρέμμα Ρωμηοί, Ιερά Μονή Γενεθλίου της Θεοτόκου, 2000.