الذكرانيات في تقليد الكنيسة الأرثوذكسية بين السبت والأحد

الذكرانيات في تقليد الكنيسة الأرثوذكسية بين السبت والأحد

الأب أنطوان ملكي

إن البحث في ما تسلّمناه من آبائنا من أقوال وعظات وتعاليم وقوانين وكتابات وتيبيكون أو غيره، يظهِر أن اﻹشارات إلى عدم جواز إقامة الذكرانيات (Panichida, Parastas, Lite, Trisagion) في اﻵحاد ونقلها إلى السبوت كثيرة، فيما لا يوجد أيّ إشارة إلى جواز إقامتها يوم اﻷحد.

لماذا هذا التمييز؟ الفرق بين السبت واﻷحد كبير في كنيستنا. ففي يوم السبت العظيم كانت نفسُ الرب حاضرة في الجحيم ساحقة له وحالّة قيود المعتقلين، كما يظهر من خدمة هذا اليوم ومن شروحات الآباء بخاصة رسالة القديس يوحنا الدمشقي الإلهي بخصوص الصوم المقدّس. لهذا، تخصص الكنيسة السبت للذكرانيات. أما اﻷحد فهو يوم قيامة الرب التي تشير مسبقًا لقيامة جميع المؤمنين، وهو يوم عمل الابن أي القيامة، كما هو يوم عمل الروح القدس أي العنصرة. فعليه، يوم اﻷحد هو مجموعة تذكارات ﻷفراح عديدة، لهذا أوردت القوانين المقدّسة، احتراماً لهذه اﻷفراح واشتراكاً فيها، بأن لا تقام ذكرانيات يوم الأحد. وعلى مثاله أن لا تُقام في أعياد الرب ووالدة الإله، لأن اﻵحاد والأعياد جميعاً أيام مبهجة بيدَ أن الذكرانيات محزنة. من جهة أخرى، يرى اﻵباء أن اﻷحد هو أيقونة الدهر الآتي، فالمجيء الثاني للربّ سوف يكون يوم أحد بحسب القديس مكسيموس المتوشح بالله: “ظهور الرب سيكون في اليوم الثامن الذي هو أحد، والقيامة العامة للراقدين ستحدث في يوم أحد كما يعلّم القديس غريغوريوس التسالونيكي: “إن الأحد مهيب ومكرّس لدرجة فائقة لأن الآخرة الفائقة البركة وقيامة الجميع العامة المرجوّة ستحدث يوم أحد”، وأيضاً، بحسب القديس نفسه، في يوم أحد سوف يدخل الأبرار في الراحة التامّة أي الحياة السرمديّة والثابتة.

قد لا يكون هذا الكلام مقنِعاً للكثيرين، خاصةً العقلانيينمنهم. لهذا، نورِد عدداً من الحقائق التي تظهِر أنّ العالم اﻷرثوذكسي بغالبيته لا يعرف ذكرانيات اﻷحد. أمّا في أنطاكية التي قد تكون الوحيدة التي تتبنّى هذه الممارسة بشكل رسمي فنعرف أنّ هذه الممارسة طرأت على التقليد بعد بدايات القرن الماضي وليس قبلاً.

  • أهمّ مَن جَمع تعاليم اﻵباء هو القديس نيقوديموس اﻵثوسي الذي جمع الفيلوكاليا التي غيّرت العالم وما تزال. على المنوال عينه جمع تعاليم القديسين حول أمور محددة منها الذكرانيات في كتاب اعتراف إيمان” [1] وعلى رأسهم يوحنا الذهبي الفم وباسيليوس الكبير ويوحنا الدمشقي ليظهِر الفرق بين السبت واﻷحد ويوضِح سبب عدم سماح الكنيسة بالذكرانيات في اﻵحاد. فالقديس كان من الكوليفيين الذين رفضوا ذكرانيات الأحد.

  • تيبيكون القديس سابا الصربي الشهير المعروف بـِكتاب الربّان” (KormchajaKnjiga)”، يحدد في القانون 169 منه أن تُقام الذكرانيات يوم السبت [2]. بلغاريا ورومانيا وروسيا تبنّت هذا القانون وما زالت إلى اليوم. وعليه فإن هذه الكنائس ما تزال إلى اليوم لا تسمح بالذكرانيات في اﻵحاد ولهذا تُقام إما في نهاية القداس يوم السبت أو في الساعة التاسعة غروب الأحد (السبت مساءً).

  • يذكر تيبيكون الجبل المقدس [3] أنّه إذا وقع تذكار مؤسس الدير أو رئيس سابق يوم أحد، فتقام له الذكرانية مع الكوليفا بعد الساعة التاسعة من يوم السبت. وبعدها يوزّع الكوليفا على الإخوة ثم تبدأ صلاة المساء (الغروب) ليوم الأحد. وإذا ما أقيمت سهرانية يوم الأحد، فيجب عندها الاحتفال بالليتين كي لا يُذكر الأموات.

  • يرِد في دليل الكهنة في كنائس روسيا وبلغاريا والأرثوذكسية في أميركا (OCA) وصربيا أنّ الذكرانيات لا تُقام في أعياد السيد ولا أعياد السيدة ولا في أي أحد، حتّى أن الكنيسة الروسية خارج روسيا لا تقيم صلاة الدفن يوم اﻷحد بل يُترَك الميت إلى اﻹثنين [4].

  • منذ زمن القديس صوفرونيوس بطريرك كنيسة أورشليم حددت هذه الكنيسة بأن تُقام الذكرانيات أيام السبوت وليس الأحد [3].

  • يورِد القديس نيقوديموس اﻷثوسي في اعتراف إيمانه أنّه إذا وقع تذكار امبراطور يوم أحد فإنه يُنقَل إلى السبت وتُقام الذكرانية في الساعة التاسعة [1].

ما الهدف من هذا البحث؟ إنه لتوعية مَن لا يعرِف ولتحريك ضمير الجميع على واقع الذكرانيات التي تحوّلت في بلادنا إلى مجرّد حدث اجتماعي في الغالبية المطلقة من الحالات. فأهل الراقد تقوم حساباتهم أولاً على مَن يحضر ومَن يغيب وعلى لقمة الرحمةالتي تتبع القداس، حيث هي المناسبة لإظهار الغنى والكرم وإكرام الفقيد“. هذه الخفة الإيمانية تنتج عنها استباحة الكأس المقدّسة حيث يتقدّم إلى المناولة المستعدّ وغير المستعدّ، اﻷرثوذكسي وغير اﻷرثوذكسي. حتّى أن بعض غير المسيحيين يتقدّمون ﻷن الواجب يقتضي هذا ومن المعيب اجتماعياً، بنظرهم، أن ﻻ يشتركوا عن روح الميت“. المناولة تصير ضيافة.

هذا نداء إلى الأرثوذكسيين الذين يعرفون أن الأرثوذكسية هي الإيمان المستقيم والممارسة المستقيمة، حيث لا ينفصل الإيمان عن الممارسة. فلكي تكون ممارستنا بِاللَّهِ مَعْمُولَةٌعلينا أن نحفظها لا دنس فيها ولا وسخ بل منزهة عن كل عيب“.

هذا نداء إلى الشعب المؤمن لكي يتذكّر أن اللياقة والترتيب هي التي تحمل صلاته كالبخور أمام الرب.

هذا نداء إلى الكهنة الذين تسلّموا الحمل كي يكونوا أمناء عليه ﻷنه يُطلَب منهم يوم الدينونة.

هذا نداء إلى اﻷساقفة حاملي النعمة التي تكمّل كل ضعف والمُطالَبين بأن يقطعوا باستقامة كلمة الحق.

يقول القديس نيقوديموس الأثوسي الذي اضطُهِد بسبب رفضه للذكرانيات يوم الأحد: “تُقام الذكرانية أيام الآحاد في بعض الأماكن نتيجةً للجهل أو طلباً للمنفعة المادية أو إرضاءً للبشر أو للذات”. لم يعد لائقاً الكلام عن الجهل في القرن الحادي والعشرين ولم يعد الجهل مسموحاً. يبقى على الكنيسة، بكلّ مكوّناتها، أن تكون شاهدة في تعاطيها مع المادة ومع الناس، خاصةً الذين يطلبون إرضاء ذواتهم.

[1]Αγιος Νικοδημος Ο Αγιορειτης. Ομολογια Πιστεως. Συνοδια Σπυριδωνοσ Ιερομοναχου, Νεα Σκητη Αγιου Ορουσ. Δεκέμβριος 2010. Manuscript not published. Hamatoura Monastery.

[2] نسخ القديس سابا هذا الكتاب أثناء وجوده في اليونان عن قانون القديس فوتيوس الكبير المعروف بـِالدفة (το Πηδάλιο)” أو النوموكانون. http://oca.org/saints/lives/2016/01/14/100156-st-sava-i-first-archbishop-of-serbia

[3] ΤΑ ΜΝΗΜΟΣΥΝΑ. http://www.agiooros.net/index.php/news-63/pneymatika-mhnymata/652-ta-mnhmosyna

[4] Cross & Livingstone, eds. (2005). The Oxford Dictionary of the Christian Church. Oxford University Press