جورج فلوروفسكي: نهجه في المسكونية

جورج فلوروفسكي: نهجه في المسكونية

اﻷب أنطوان ملكي

اﻷب جورج فلوروفسكي (1893-1979) هو زعيم لاهوتيي القرن العشرين اﻷرثوذكسيين، بشهادة اﻷرثوذكس وغيرهم. المقالة الحاضرة وصف لنهجه في العمل المسكوني. فالرجل مثّّل اﻷرثوذكس في محافل مسكونية وفي حوارات مع غير اﻷرثوذكس، ومنهجيته أوصلته إلى استنتاجات عبّر عنها في كتاباته. التركيز هنا هو على خطاباته في اجتماعات مجلس الكنائس العالمي.

عَمِل فلوروفسكي على تأسيس مجلس الكنائس العالمي وأعماله ثبّتته بشكل واضح كلاهوتي معروف عالمياً وجعلته الصوت الأرثوذكسي المتقدّم في الحركة العالمية لإعادة توحيد العالم المسيحي. مع أن الكثيرين يحكمون عليه بأنه مثير للجدل، لكنه عُرف عالمياً كلاهوتي كبير في القرن العشرين ومن أكثر المفكرين عمقاً والخطباء فصاحة بين أرثوذكسيي زمانه.

في لقاءاته المسكونية، سعى فلوروفسكي إلى أن يصف، بعبارات واضحة ولا مساومة فيها، الموقف الأرثوذكسي من الأمور اللاهوتية الأساسية، في تضارب واضح مع نظرات الآخرين. عند نقطة ما، تساءل حول شرعية استعمال كلمة كنائس، التي تعني الجمع، في تسمية مجلس الكنائس العالمي. وقد اقترح إدخال الجملة التالية إلى النصوص الرسمية: “يشير اسم مجلس الكنائس العالمي إلى حالة لا ينبغي وجودها. نحن نتّفق على تسمية طوائفنا كنائس بمعنى لا يسمح به العهد الجديد”. في تقرير لاحق كان أكثر حدّة في تعبيره: “الطوائف المتفرقة ليس لها الحق بتسمية نفسها كنائس“. بالتأكيد، هذه اللغة المأخوذة من فهم محدد للكنيسة، في العهد الجديد، على أنها جسد المسيح الواحدة المقدسة في دستور الإيمان الأرثوذكسي. جسد المسيح واحد، وبالتالي الكنيسة واحدة. من وجهة النظر الأرثوذكسية هذه، يستحيل وجود أكثر من كنيسة لاستحالة وجود أكثر من جسد للمسيح. ما لدينا بالحقيقة هو إنقطاع في العلاقات في العالم المسيحي وانفصال في الوحدة المسيحية حول عقائد أساسية في الإيمان تؤدّي إلى اختلافات وافتراقات.

ذروة الأحداث المسكونية التي شارك فيها فلوروفسكي كان الجمعية الثانية لمجلس الكنائس العالمي في إيفانستون، إلينوي، ما بين الخامس عشر والحادي والثلاثين من آب 1954. الموضوع كان أن نبقى معاً لا يكفي، يجب علينا التقدّم“. لتحقيق ذلك وقفت الشهادة الأرثوذكسية في تناقض صارخ مع الآراء السائدة الأخرى. تحدث فلوروفسكي باسم الأرثوذكسيين: “لا يمكن لأي مسيحي تجاهل حقيقة الانقسام المسيحيأعظم إنجاز للحركة المسكونية الحديثة يكمن في الشجاعة للاعتراف بأن هناك خلاف كبير. لدغة المأساة المسيحية الفعلية هي حقيقة أنه في الوضع التاريخي الملموس، العديد من الانقسامات قد فُرِضَت، بالشكل الذي كانت عليه، وتحديداً ولاءً للمسيح وبالغيرة الصادقة على الإيمان الحقيقي“. الإعلان الأرثوذكسي كان صريحاً: “عودة الجماعات إلى إيمان الكنيسة القديمة المتحدة وغير المنقسمة، كنيسة المجامع المسكونية السبعة. هذه العودة هي وحدها ما ينتِج إعادة الوحدة المرجوة بين كل المسيحيين المتفرقين“. عبارات الأرثوذكسيين الصارمة أوضحت أن الطريق إلى الأمام هو بالفعل طويل وصعب. وكعلامة على أنّ المجموعة المسكونية تنوي على الأقل أخذ مقاربة الأرثوذكسيين للوحدة بجدية، أيّدت اللجنة المركزية لمجلس الكنائس العالمي مبادرة فلوروفسكي والأخرين بتبنّي الدراسة التقليد والتقاليد، وهي الموضوع الذي تطرق إليه فلوروفسكي بغنى وبتكرار في الكثير من كتاباته.

في أواخر حياته، أصيب فلوروفسكي بالخيبة من التجنب الظاهر للقضايا اللاهوتية الجوهرية التي كانت انشغاله الأساسي طوال حياته. بالحقيقة، لقد لاحظ تحوّل اهتمام قيادة مجلس الكنائس نحو القضايا الاجتماعية إلى درجة أن لقاءاتها صارت بلا أي صفة دينية أو مسيحية، والقرارات صارت تُتخذ من دون اهتمام بالعقيدة وبالتحديدات اللاهوتية، ومن دون إلمام بتاريخ الكنيسة وتقليدها والحضارة المسيحية. صار العارفون أو الذين قد يثيرون أي صعوبات بالعودة إلى مسائل التاريخ واللاهوت يُبعَدون ويُهَمَّشون. الاهتمام صار في إيجاد ما هو مشترك ونسيان الباقي. آلمه أنّ تناسي الفرق بين الجماعات المسيحية بهدف تحقيق الوحدة سيؤدّي إلى وحدة سطحية، غير واقعية وبالتأكيد لا تدوم. أحزنه أن قادة مجلس الكنائس العالمي فقدوا الاهتمام بالعقائد والمبادئ وصاروا عاجزين عن فهم أن لهذه الحقائق اللاهوتية بعداً وجودياً. وبدل أن تكون أعمالهم موجّهة بالعقيدة واللاهوت فضّلوا البرامج الإنسانية والأعمال والإجراءات العملية في العمل الاجتماعي لتحسين حالة العالم، ولكن ليس بالضرورة حالة الكنيسة. هذا دلّ على أن روح الدهرية تسربت إلى الحركة المسكونية.

إلى آخر رمق، لم يكف فلوروفسكي عن استبساله في التأكيد على أن لا تقدم مسكوني حقيقي إلا من خلال المناقشة اللاهوتية والدراسة على يد أجيال من اللاهوتيين الجديين.