اللقاء الأرثوذكسي الكبير في كريت

اللقاء الأرثوذكسي الكبير في كريت

الأب أنطوان ملكي

العالم اﻷرثوذكسي منشغل في هذه اﻷيام بالتحضير للقاء (المجمع) اﻷرثوذكسي الكبير الذي سوف ينعقد في جزيرة كريت اليونانية في حزيران 2016. حجم الكتابات، التي تحلل وتشرح وتخمّن وتخبّر، يتزايد عاكساً حجم التفاعل في كل العالم مع هذا الحدث الذي طال انتظاره. فاﻹعلام بكافة خلفياته تطرّق إلى هذا الحدث (هافنغتون، تايمز، الفاتيكان وغيرها) وأكثر منه شبكات التواصل الاجتماعي. تختلف المواقف واﻵراء بحسب القراءات فمنها التاريخي ومنها السياسي ومنها اللاهوتي ومنها ما يجمع كل هذه أو بعضها.

في ما يلي عرض لبعض المواقف الأرثوذكسية بهدف الإضاءة على تفاعل بعض الكنائس الأرثوذكسية مع الحدث، ومن ثم مقارنتها بالتفاعل الأنطاكي.

كل الأرثوذكسيين متفقون على أهمية الاجتماع، وكل الكنائس الأرثوذكسية مشاركة بانتظام في اللقاءات التحضيرية خاصةً التي جرت في السنوات الثلاث اﻷخيرة. في أنطاكية، أصدرت البطريركية كتاباً يصف بدقة مجريات اﻷمور وصولاً إلى نقطة محددة من الزمن.

بعض الكنائس عقدت لقاءات موسّعة ومؤتمرات لدراسة هذه الوثائق واتّخاذ الموقف الأفضل منها. بعض الكنائس سمّت وفودها ومنها ما يضمّ علمانيين ورهبان وراهبات.

في اﻷصل طُرِح عشر نقاط للدرس رُفِض منها موضوع الاستقلال الذاتي، مراجعة الذبتيخا، توحيد التقويم، ومساهمة الكنيسة في إحلال السلام والحريّة والأخوّة. النقطتان اﻷولى والرابعة ضُمِّنَتا في الوثائق الست التي صدرت عن الاجتماعات التحضيرية وتمّ نشرها بهدف دراستها حتى يُصار إلى تعديلها أو قبولها كما هي خلال الاجتماع في حزيران 2016. الوثائق كانت تصدر في اليونانية والإنكليزية والروسية، فيما تقوم كل كنيسة بترجمتها إلى لغتها حتّى يتسنّى لمؤمنيها الاطّلاع عليها ودراستها. المواضيع اختارها رؤساء الكنائس في اجتماع دعا إليه البطريرك المسكوني وانعقد في شامبيزي – سويسرا بين 21 و28 كانون الثاني 2016.

الوثائق مع بعض التعليق

1) العلاقات بين الكنيسة الأرثوذكسية والباقي من العالم المسيحي (Relations between the Orthodox Church and the rest of the Christian world): هي الوثيقة التي خضعت لأكبر كمّ من التعليقات والدراسات لأنّها تتطرق إلى العمل المسكوني وهو تحدّ كبير بالنسبة للأرثوذكسية والخطر الأكبر عليها الذي سبّب انقسامات فيها وما زال يهدد بمثلها. انتقد عدد من اللاهوتيين هذه الوثيقة بأنها لا تعلِن أن الكنيسة الأرثوذكسية هي الكنيسة الواحدة الجامعة الرسولية“. ردّت كنيسة بلغاريا بمجمعها بأن خارج الأرثوذكسية لا يوجد إلا الهرطقات والمنشقين. كنيسة جورجيا رفضت الوثيقة برمّتها. رهبان الجبل المقدّس رفضوا هذه الوثيقة معتبرين أن الإبهام في اللغة المستعملة وبخاصة تسمية الهرطقات والجماعات المنشقة بالكنائس ليس أرثوذكسياً. مجمع الكنيسة الروسية خارج روسيا اعترض على اﻹكليسيولوجيا التي تتبناها هذه الوثيقة مشدداً على أنها غير أرثوذكسية. إلى هذا فإن عدداً من اللاهوتيين الأرثوذكس كتب رافضاً هذه الوثيقة ودائماً لنفس الأسباب التي توحي بأن مَن كتبها يشرب من مَعين مجلس الكنائس العالمي والحركة المسكونية السائدة.

2) رسالة الكنيسة اﻷرثوذكسية في العالم المعاصر (The mission of the Orthodox Church in the modern world)، وهي تتطرَق إلى موقف الكنيسة إلى الكثير من القضايا المطروحة عليها في السياسة والاجتماع والاقتصاد. بطريرك روسيا كيرللس يرى أن هذه الوثيقة هي اﻷهمّ بين كل الوثائق ويتوقع أن يأخذ درسها حيزاً كبيراً من وقت اللقاء الكبير. علّق عدد من اللاهوتيين على محتواها أهمهم الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس الذي رأى في رسالة وجهها إلى مجمع كنيسة اليونان أن استعمال مفهوم الشخصأو عبارة الشخص البشريليس دقيقاً أرثوذكسياً ويعكس الأنثروبولوجيا الكاثوليكية بينما اللاهوت الأرثوذكسي يحكي عن الإنسان ويعطيه الاعتبار. مجمع الكنيسة الروسية خارج روسيا تساءل كيف يمكن للكنيسة أن تشهد للحرية والسلام واﻷخوّة إن لم يكن على أساس إكليسيولوجي وعقائدي صحيح.

3) الشتات اﻷرثوذكسي (The Orthodox Diaspora)، وفيها تأكيد على ضرورة قيام مجالس أساقفة محلية وتثبيت لحق كل من الكنائس برعاية أبنائها في الشتات. هذه الوثيقة جاءت مخيّبة للكثيرين ممّن كانوا يأملون بأن هذا اللقاء سوف يحلّ معضلة الشتات ويخرِج الأرثوذكسية في الشتات من واقع انقسامها الإثني ويقدّم نموذجاً صحيحاً عن الوحدة الأرثوذكسية.

4) استقلال الكنائس وسبل إعلانه (Autonomy and its Manner of Proclamation)، تثبّت هذه الوثيقة حقّ كل كنيسة مستقلّة بمنح أي جزء منها الدرجة من الاستقلالية التي تراها مناسبة، على أن لا يكون هذا الجزء في الشتات. أيضاً جاءت هذه الوثيقة مخيّبة خاصةّ للعاملين على أن يروا كنيسة مستقلّة في أميركا الشمالية.

5) سر الزواج ومعوقاته (The Sacrament of Marriage and its Impediments)، تتطرّق هذه الوثيقة إلى التحديات التي تهدد العائلة في العالم المعاصر وأشكال الزيجات المطروحة اليوم في الغرب بخاصة.

6) معنى الصوم وتطبيقه اليوم (Significance of Fasting and its Application Today)، تثبت الوثيقة الصفة الإلزامية ﻷصوام الميلاد والرسل والسيدة على المستوى الأرثوذكسي عامة. فالصوم اليوم يطرح تحديات كثيرة على المؤمنين خاصة مع التأثيرات المتأتية من الغرب في تصنيف المأكولات وربط الصوم باﻹماتة وغيرها من اﻷفكار الغريبة عن اﻷرثوذكسية. في 1921 كان البطريرك المسكوني في حينه ملاتيوس ميتاكساكيس [1] قد طرح فكرة التخلي عن هذه الأصوام وعن صوم الأربعاء والجمعة.

إلى هذا صدر الكثير من الدراسات والمواقف التي تتناول هذا اللقاء، منها ما قارنه بالفاتيكان الثاني، ومنها وما رأى فيه حدثاً أرثوذكسياً غير مسبوق، ومنها ما انتقد شؤوناً تتعلّق بالتسمية واﻹجراءات وغيرها، في ما يلي عرض مختصر ﻷهمها:

أ. أول نقاط عدم الاتفاق هي حول الاسم. يرفض العديد من اللاهوتيين تسمية المجمع، إذ يرون أنّ المجمع ينبغي أن يضمّ أساقفة وبالمبدأ كل الأساقفة من دون استثناء، بينما الحاصل هو حصر الحضور بممثلين لكل كنيسة ما يستبعد حضور أغلبية اﻷساقفة.

ب. هناك عدة اعتراضات على تنظيم وإدارة اللقاء أولها الاعتراض على آليّة التصويت في الاجتماعات. فمن جهة أولى، التقليد هو أن لكلّ أسقف صوت وليس لكل كنيسة صوت. ومن جهة أخرى عملية، أن اﻷمر لا يستقيم حسابياً، إذ كيف يمكن أن يكون لكنيسة روسيا صوت بمقابل صوت مساوٍ لكنيسة فنلندا مثلاً. فاﻷولى تضمّ مئتي مليون أرثوذكسي بينما الثانية لا يتعدى تعدادها المئة ألف. وهنا أيضاً يعترض العديد من مكوّنات الكنيسة، وأهمهم الجبل المقدّس آثوس، على أن هذه الآلية غير أرثوذكسية ومستقاة من الغرب. مجمع الكنيسة الروسية خارج روسيا علّق على كلام وارد يقول أن لهذا اللقاء سلطة لدى كل اﻷرثوذكس، مؤكّداً أن هذه السلطة ليست عقائدية ولا قوة شرعية لها.

ج. أكثر من جهة اعترضت على مفهوم الحوار المعتَمَد في هذه النصوص. من أهم المعترضين الجبل المقدّس أثوس إذ يعلّق على العبارة التي تقول بأن الحوار يقوم على إيمان وتقليد الكنيسة القديمة والمجامع المسكونية السبعة، ويعترض على أن هذه الفكرة خاطئة إذ كأن الكنيسة اﻷرثوذكسية لا تاريخ لاحق لها أو أنّه تاريخ فاسد. أيضاً من أهم المعترضين، كأفراد، الميتروبوليت ييروثيوس فلاخوس والميتروبوليت أثناسيوس مطران ليماسول في قبرص، وهو يتساءل عن أي وحدة هو الكلام فيما خارج الكنيسة الأرثوذكسية لا يوجد إلا الهرطقات.

د. أخيراً يرى آباء الجبل المقدس أن في تنظيم اللقاء بهذا الكل تقويض لمجمعية الكنيسة الأرثوذكسية وبثّ للاهوت الداعم للأوليّة (على مثال الكثلكة) وذلك عن طريق تخفيض عدد الأساقفة المشاركين وإعطاء المزيد من السلطة لرؤساء الكنائس.

أين أنطاكية من كل هذا؟

لا يبدو أن في أنطاكية أي عمل يُذكَر سوى الكتاب الذي أصدرته البطريركية. لا نقرأ دعوة من أسقف للصلاة من أجل أعمال اللقاء. المركز الأنطاكي الأرثوذكسي للإعلام لا يعلمنا بشيء. هل في المجمع لجنة تدرس أم أنه يدرس كله مجتمعاً أو لا يدرس؟ هل عُيّن الوفد المشارك؟ هل تدارس أساتذة معهد اللاهوت هذه النصوص على غرار المعاهد اﻷخرى في العالم؟ أليس مهماً أن يتابع الشعب هذا الحدث؟ هذه أسئلة بحاجة إلى إجابات.

[1] ، ملاتيوس ميتاكساكيس كان ماسونياً علناً ويدعو إلى التخلّي عن الكثير من الأمور التي تعكس تقليد الأرثوذكسية وتقاليد شعوبها، حاول أن يعقد مجمعاً أرثوذكسياً عاماً وفشل إذ لم يحضر كل الأرثوذكس، ومع هذا أصرّ على تسمية اللقاء الذي حصل مجمعاً، وأهم ما صدر عنه هو تبنّي عدد من الكنائس ومنها أنطاكية للتقويم اليولياني المعدّل.