دواء الشغف بالأوليّة

دواء الشغف بالأوليّة

الميتروبوليت يوئيل، مطران أديسا

مَن أراد أن يكون فيكم أولاً، فليكن للكلّ خادماً“.

آخر مرة ذهب المسيح إلى أورشليم كانت مثيرة، ليس فقط بالنسبة له، بل أيضاً لأولئك الذين كانوا يتبعونه. “وَكَانُوا فِي الطَّرِيقِ صَاعِدِينَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَقَدَّمُهُمْ يَسُوعُ، وَكَانُوا يَتَحَيَّرُونَ. وَفِيمَا هُمْ يَتْبَعُونَ كَانُوا يَخَافُونَ.” (مرقس 32:10). ومع تزايد توافد الحشود إليه، كان يزيد من المزيد الحديث إلى تلاميذه عن هذا وعن موته. تحدّث عن كأس الموت ومعمودية الدم. وأوضح لهم بأن طريقهم سوف تشبه في نواحٍ كثيرة ما سوف تنتهي به حياته. كان التلاميذ خائفين. حتى ذلك الحين لم يكونوا بعد قد وُضِعوا تحت أي اختبار. في هذه اللحظات الدرامية، جاء اثنان من تلاميذه وطلبا أن يُعطى لهما مكان الصدارة، الأمر الذي اضطر المسيح لأن يقول لهم أن كلّ من يريد أن يكون أولا يجب أن يكون خادماً وعبداً لجميع الآخرين.

كونه ملك القوات السماوية، رضي المسيح أن يولد طفلاً في مذود في مغارة، وأن يتربّىعلى نحو بسيط في بيت نجار ووالدته ، كما يقول القديس باسيليوس الكبير. كما أنّه وافق أيضاً على أن يعتمد على يد واحد من مخلوقاته، ويُصلَب، ويخضع لأفظع الميتات. لا شيء من ذلك حرّك التلاميذ. وكان هذا لأن الطموح والرغبة في الأوليّة كانا المشاعر الطاغية التي تزعج الكثير من الناس، حتى في سنوات المتأخّرة. السيد المسيح كلّمهم عن آﻻمه فيما كانوا يحلمون بالشرف والمجد. لقد كانوا تلاميذ المسيح، لكنهم لم يكونوا قد نموا، وربّما كانوا تحت تأثير عاطفة ما أو غيرها. نحن نرتفع إلى أعلى المناصب، ولكن عواطفنا تبقى حيّة في داخلنا. ويقول آباء الكنيسة أن الرغبة الوحيدة للخطأة، إذا تابوا، هو التخلص من كل عواطفهم، وبعبارة أخرى، أهوائهم الشخصية، وسلوك حياة مواهب الروح القدس. يثبت الناموس الروحي أن الذين يرغبون بأن يسودوا على غيرهم من الناس وجعلهم تابعين، فسوف يصيرون الأكثر خزياً، والأكثر حقارة وكرهاً من الجميع. على سبيل المثال، أراد الشيطان أن يصبح أولاً وانتهى به الأمر أخيراً. الناس الذين يستحقون المجد ليسوا أولئك الذين يسعون إليه، بل أولئك الذين يزدرون به. المجد هو مثل ظلّ الشخص: بقدر ما تطارده، يذهب بعيداً.

لقد وضع المسيح مرهم التواضع على جرح الطموح والرغبة في التسلّط.

إذا كان رسول الرأي العظيم، أي المسيح، قد تواضع هكذا، فعلينا نحن أيضاً، أن نكون مستعدين لاتّباع نفس المسار. “وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ(فيليبي 8:2) كما يذكر الرسول بولس بشكل قاطع. بقدر ما يرتفع الناس يجب عليهم أن يواضعوا أنفسهم لا أن يفتخروا. السلطة تُعطى للناس لا ليستبدّوا بل لخدمة الآخرين. يقول القديس يوحنا السلمي: “ليس فقط لتخفيف جراح الآخرين ولكن أيضاً لرعايتها. فقط من خلال التواضع يكتسب القادة الوضع الطبيعي للسلوك تجاه الآخرين. لقد وقّعنا اتفاقاً مع الله ينطوي على التوبة، وليس على السلطة “.

سلوك الرؤساء اليوم

اليوم، قادة الدول وكلّ مَن عندهم شيء من السلطة هم في خطر الوقوع في خطيئة طلب الصدارة والهيمنة على الآخرين. نحن جميعاً نريد أن نسود على غيرنا من الناس. القادة العسكريون والرجال والنساء ورجال الدين والعلمانيين والقادة السياسيون وكلّ من بيده شكل من أشكال السلطة هو في خطر من أن يصبح طاغية تجاه الآخرين. القادة الحقيقيون لا يفتحون الجروح بل يداوون الإصابة. يجب ان تمارَس السلطة بتواضع حتى تكون فعّالة. إن مثالَنا هو المسيح، الذي تواضع إلى حد كبير، لكي يتسنى لنا أن نرتفع إلى السماء. إنه هو الطريق اﻷكيد للسلطة. والتواضع هو دواء الاندفاع نحو الأوليّة.