الشك

الشك

الأب تريفون، رئيس دير الجزيل الرحمة، سياتل

التقيت مرة امرأة ادّعت أنها لم تشك مرةً بإيمانها، ولم تختبر أبدا وقتاً لم تؤمن خلاله بكل ما تعلّمه الكنيسة ولا حتّى للحظة. خلال ذلك العام، تخلّت هذه المرأة عن إيمانها، وارتدّت عن الأرثوذكسية. خوفها من القليل من الشك بإيمانها بالله، وثقتها بتعاليم الكنيسة، جعلها عرضةً للخطر. لم تفهم أن بالرغم من كون اﻹلحاد هو ضد اﻹيمان يبقى الشك في حد ذاته مجرد تردد بين الموقفين.

لا يتعارض الشكّ مع الإيمان، لأنه ليست كفراً بحد ذاته. يستطيع الشك، وينبغي به ذلك، أن يكون حافزاً لنا للتحرك نحو أعماق الجوانب الروحية لما يعنيه أن يكون الإنسان بشرياً وجزءاً من عائلة من المؤمنين هم في رحلة إلى قلب الله. الإيمان، إذا كان صحيحاً، يتحدّى الوضع القائم، ويقذفنا إلى الأمام خارج الرضى عن النفس الذي فينا.

عندما نحاول أن نجعل الشك وكأنه الكفر، نضع أنفسنا في حالة من التناقض، كما لو أن علينا اختيار الجانب الذي سوف نتموضع فيه. أنحن مؤمنون، أم نحن كفرة؟ عندما نفكر بأن علينا أن نضع أنفسنا في فئة واحدة من الاثنتين، ننسى أن الشك، في جوهره، هو مكان بين الحالتين.

هنا تدخل بدنية (physicality) الكنيسة الأرثوذكسية في اللعبة، هندسة كنائسنا، جمال ثيابنا، سر أيقوناتنا، رائحة البخور الذي نقدمه لله في خدمنا الإلهية، كل هذه تلعب دور الجسر بين العالم المادي والعالم الروحي. وفيما نحن نسافر معاً، نختبر إعادة الاتصال بيننا وبين الله الذي خلقنا، ويصير تجسد الله في وسطنا حقيقة واقعة نختبرها.

اﻷرثوذكسية، كونها الجسر بين المادي والروحي، تسمح لنا ليس فقط أن ننمو في الحكمة، بل تساعدنا على تتبع مراحل التطور الروحي المختلفة المتعددة عبر زمان حياتنا بأكمله. رحلتنا التي تمتد كل العمر تسعى للحصول على مستوى معين من المعاينة (theoria)، وليس مجرد التمسك الأعمى ببعض إعلانات الإيمان“. بعبارة أخرى، الأرثوذكسية هي أكثر بكثير من مجرد الالتزام البسيط بدستور إيماننا وممارساتنا وعبادتنا وعقيدتنا.

اﻷرثوذكسية هي عقيدة عميقة بما فيه الكفاية للسماح لمؤمنينها بمواجهة تعقيدات تجربتنا الإنسانية، فيما يعترفون في الوقت نفسه بأن ليس كل ما في هذه الحياة مفهوماً، بل يُنظَر إليه على أنه سرّ. لذا، فإن الرأي القائل بأن المؤمنين لا يشكّون، هو ببساطة غير صحيح. الشكّ ليس عكس الإيمان، بل الوسيلة التي بها نجد أنفسنا مدفوعين إلى التعمّق في هذا السرّ الذي هو الإيمان الحقيقي. لا شيء يمنع المؤمنين الحقيقيين من أن يتصارعوا مع عدم اليقين، لأنه هذه الريبة بحدّ ذاتها هي ما يمنعنا عن الرضا عن النفس. الرضا عن النفس هي العدو الحقيقي للإيمان، ومثبّط النمو الروحي. إنّ الرضا هو الذي يمنعنا عن ملكوت الله، وعن الفرح الذي يأتي من الشركة مع المسيح. ليست المسألة مسألةَ اختيار واحد من الجانبين، بل هي مسألة الاستسلام للحكمة الإلهية.