الأخلاق المسيحية – الصلاة الربيّة

الأخلاق المسيحية – الصلاة الربيّة
القديس نكتاريوس أسقف المدن الخمس
نقلها إلى العربية الأب أنطوان ملكي

57. ما هي الصلاة التي أعطانا السيّد؟
أعطانا الصلاة الربيّة، الأبانا.
58. ما هي الصلاة الربيّة؟
إنّها الصلاة التي أعطاها المخلّص يسوع المسيح لتلاميذه ورسبه القديسين، ومن خلالها أعطانا الشكل والطريقة اللذين ينبغي اتّباعهما في صلاتنا وما ينبغي أن نطلبه قبل كل شيء.
59. ما هو شكل الصلاة الربّية؟
إنّه التالي: “أبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذلِكَ عَلَى الأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضًا لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلاَ تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، لكِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ. آمِينَ.” (متى 9:6-13).
60. ما هو عدد أجزاء الصلاة الربيّة؟
هناك ثلاث أجزاء: المقدمة، صلب موضوع والخاتمة.
61. أي هي المقدمة، وأي هي الخاتمة وأي هي صلب الموضوع؟
المقدمة هي “أبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ”، “لأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالْقُوَّةَ، وَالْمَجْدَ، إِلَى الأَبَدِ” هي الخاتمة، وكل ما بينهما هو الموضوع.
62. ماذا نتعلّم من مناداة “الأب”؟
بمناداة “الأب” يتعلّم المسيحي عن العلاقة بالله كابن لله تمّ تبنيه بالنعمة الإلهية بابن الله الذي صار إنساناً، اي مخلّصنا المسيح. إذاً، “رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا:«يَا أَبَا الآبُ»” (غلاطية 6ك4). يقول الإنجيلي يوحنا: ” وَأَمَّا كُلُّ الَّذِينَ قَبِلُوهُ فَأَعْطَاهُمْ سُلْطَانًا أَنْ يَصِيرُوا أَوْلاَدَ اللهِ، أَيِ الْمُؤْمِنُونَ بِاسْمِهِ.    اَلَّذِينَ وُلِدُوا لَيْسَ مِنْ دَمٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ جَسَدٍ، وَلاَ مِنْ مَشِيئَةِ رَجُل، بَلْ مِنَ اللهِ” (يوحنا 12:1-13).
63. ماذا نتعلّم من مناداتنا “أبانا”؟
بهذه المناداة نتعلّم أننا إخوة بالروح، كأبناء لنفس الأب، وأننا مدينون بأن نحب بعضنا بعضاً كإخوة. “إنّه يربّينا لنقدّم صلاتنا مشتركة من أجل ذواتنا ومن أجل إخوتنا” (الذهبي الفم).
64. ماذا نتعلّم من عبارة “الذي في السماوات”؟
نتعلّم أن إلهنا وأبانا، الذي هو خالق كل الكون، يسكن في السماوات، وأن السماوات هي عرشه والأرض هي موطئ قدميه. (مزمور 18:103). يقول القديس يوحنا الذهبي الفم: “انتبهوا للمعنى الدقيق للعبارة، كيف ينصحنا..” قيل أنّه يسكن في السماوات، لأن السماوات تذيع مجد الله. مكان سكنى الله هو أيضاً قلب الإنسان، وهذا ما كشفه لنا السيد عندما قال: “إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلاَمِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلاً.” (يوحنا 23:14).

التوسّل الأول: “ليتقدّس اسمك”
65. ماذا نتعلّم بهذا التوسّل؟
يعلّمنا التوسّل الأول أنّ أول ما ينبغي السعي إليه هو مجد اسم الله عن طريق التآزر الإلهي. وكما يلاحظ الذهبي الفم، عبارة المستعملة هي “ليتقدّس” بدلاً من “ليتمجّد”. نتعلّم من هذه الجملة أنّ علينا أن نتبع الفضيلة في حياتنا، حتّى بهذا نمجّد أبنانا السماوي (الذهبي الفم، كيف نتصرّف بطريقة ترضي الله). لهذا السبب بالتحديد أوصانا السيد: “فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.” (متى 16:5). اسم الله وقدّس وفائق القداسة “لأن الله قدوس وكليّ القداسة، وفائق القداسة مقارنة بكل القديسين. هذه هي بالتحديد الترنيمة التي يرفعها السيرافيم بأصوات لا تفتر: قدوس قدوس قدوس، رب الصباؤوت، السماء والأرض مملوءتان من مجدك” (الذهبي الفم). عندما يقول من ثمّ عبارة “في السماوات”، فإنّه لا يحصر الله فقط هناك، بل هو يقود الإنسان المصلّي أعلى من الأرض، ويركّزه على سهول أسمى وعلى السكن فوق” (الذهبي الفم).

التضرّع الثاني: “ليأتِ ملكوتك”
66. ماذا نتعلّم من التضرّع الثاني؟
نتعلّم أنّه علينا أن نسعى أولاً إلى ملكوت الله وبِرِّه، بحسب ما يأمرنا في تعليم آخر، حيث يقول أن كلّ ما نحتاج إليه من الأشياء الأخرى يُضاف لنا (متى 33:6). بهذا التضرّع الثاني نسأل أن يُستعاد ملكوت الله بيننا، وهذا كان غاية مخلّصنا، حتّى الخطيئة لا تسود فيما بيننا من بعد، كما علّمنا بولس بقوله: “إِذًا لاَ تَمْلِكَنَّ الْخَطِيَّةُ فِي جَسَدِكُمُ الْمَائِتِ لِكَيْ تُطِيعُوهَا فِي شَهَوَاتِهِ” (رومية 12:6). لهذا تلسبب يقول الذهبي الفم أيضاً: “لأننا كنّا مظلومين بأهواء الجسد، وتعرّضنا لآلاف من من هجمات التجربة، فقد كنّا بحاجة إلى ملكوت الله، حتى لا تسود الخطيئة على جسدنا المائت، ولا نطيعه في شهواته، ولا نقدّم أعضاء جسدنا للخطيئة كمستودع للظلم..” ملكوت الله هذا على الأرض هو مجموع الخيرات الأخلاقية، تجديد البشرية إلى ما هي عليه بنور الإنجيل، وتأسيس “للبِرٌّ والسَلاَمٌ وَالفَرَحٌ فِي الرُّوحِ الْقُدُسِ (رومية 17:14).

التوسل الثالث
“لتكن مشيئتك كما في السماء كذلك على الأرض”
67. ما هي مشيئة الله؟
المشيئة الأوليّة لله هي أن نؤمن بابن الله ونطيع كلماته. الله نفسه أعلمنا بذلك بالصوت الذي اتى من السماء وأعلن ما يلي: “هذا هو ابني الحبيب الذي به سُرِرت، فله اسمعوا.” إن تحقيق هذه المشيئة يستتبع تحقيق كل الرغبات الإلهية الأخرى.
68. إذاً ما الذي نطلبه من الله في التوسّل الثالث؟
نسأل الله أن ينير كلّ العالم لكي يأتوا إلى معرفته ويؤمنوا بابن الله ويطيعوه، وهكذا تتحق الإرادة الإلهية على الأرض بالبشر، كما هي محققة بالملائكة في السماء، فيتمجّد الإله الحقيقي، المثلّث الأقانيم، على الأرض كما هو ممجد في السماء، وتسود مملكة الله على الأرض كما تسود في السماء، وتتمتع البشرية بالحياة الأبدية.
69. ماذا يقول المخلّص عن الإرادة الإلهية؟
إنّه يقول ما يلي: ” لأَنَّ هذِهِ هِيَ مَشِيئَةُ الَّذِي أَرْسَلَنِي: أَنَّ كُلَّ مَنْ يَرَى الابْنَ وَيُؤْمِنُ بِهِ تَكُونُ لَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَأَنَا أُقِيمُهُ فِي الْيَوْمِ الأَخِيرِ… وَهذِهِ هِيَ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ: أَنْ يَعْرِفُوكَ أَنْتَ الإِلهَ الْحَقِيقِيَّ وَحْدَكَ وَيَسُوعَ الْمَسِيحَ الَّذِي أَرْسَلْتَهُ.” (يوحنا 40:6، 17: 3).

التوسّل الرابع
70. ما الذي نطلبه في التوسّل الرابع؟
يعلّمنا المخلّص من خلال التوسّل الرابع أن نطلب من الله الأشياء الضرورية لمعيشتنا. من ثمّ، إذ قد علّمنا أن نطلب الأمور الروحية، يتابع ليشدد على أنّ علينا أن من الله كل ما هو ضروري لمعيشتنا. يقول الذهبي الفم القديس: “أنت يا مَن تبني شجاعتك على الله، اطلب فقط غذاءك اليومي، واترك له الاهتمام بالغد، على ما يقول داود المبارَك: “أَلْقِ عَلَى الرَّبِّ هَمَّكَ فَهُوَ يَعُولُكَ.” (مزمور 22:55)

التوسّل الخامس
“واترك لنا ما علينا كما نترك نحن لمَن لنا عليه”
71. ما الذي نطلبه بالتوسّل الخامس؟
بالتوسّل الخامس نتعلّم ان نطلب من الله المغفرة عن خطايانا، لأنها تخرجنا من ملكوت الله. وبما أننا في مطلق الأحوال ملزَمون على المساهمة في استعادة ملكوت الله على الأرض، وبما أنّ الذين أخطئوا إلينا أخطئوا إلى الله وتغرّبوا عن ملكوته، نحن ملزَمون بالغفران لهم وبألا نحسب ما لنا عندهم، حتّى يغفر الله لهم ونساهم في استعادة ملكوت الله على الأرض. يعلّمنا مخلّصنا تعليماً آخراً يظهر أن غفران ما على مَن لهم علينا شيء، هو شيء متوّقَّع إذ يقول: ” فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضًا زَّلاَتِكُمْ.” (متى 14:6-15). وبالطبع، يسأل المخلّص الأمر نفسه ممن لهم علينا: ” فَإِنْ قَدَّمْتَ قُرْبَانَكَ إِلَى الْمَذْبَحِ، وَهُنَاكَ تَذَكَّرْتَ أَنَّ لأَخِيكَ شَيْئًا عَلَيْكَ، فَاتْرُكْ هُنَاكَ قُرْبَانَكَ قُدَّامَ الْمَذْبَحِ، وَاذْهَبْ أَوَّلاً اصْطَلِحْ مَعَ أَخِيكَ، وَحِينَئِذٍ تَعَالَ وَقَدِّمْ قُرْبَانَكَ.” (متى 23:5-25) غاية هذا التوسّل الخامس هي استعادة ملكوت الله على الأرض عن طريق السلام. هذا منصوص عليه (محدد) في قول الرسول بولس: “إِنْ كَانَ مُمْكِنًا فَحَسَبَ طَاقَتِكُمْ سَالِمُوا جَمِيعَ النَّاسِ.” (رومية 18:12). علينا أن ننتبه إلى أنّ خطايانا تُسمّى “ما علينا” أي أنّها ديون لأنّهت بحكم أنها أعمال ظلم فهي تجعل مرتكبها مديوناً للذي وقع تحتها.

التوسلان السادس والسابع
“لا تدخلنا في تجربة، لكن نجنا من الشرير”
72. ما الذي نتعلّمه في هذين التوسلين الأخيرين؟
بالتوسل السادس نتعلّم أن نطلب من الله ألاّ يأذن للشيطان الخبيث بأن يجرّبنا فوق طاقتنا، كما أن يسود علينا. وفي التوسل السابع نطلب أن يخلّصنا من الشرير الذي يهاجمنا بطريقة غادرة ويرمي علينا سهاماً ملتهبة.

الخاتمة
“لأن لك الملك والقدرة والمجد، إلى الأبد. آمين”
73. ماذا نتعلّم من الخاتمة؟
بالخاتمة نعترف بأن الآب السماوي الذي استدعيناه هو ملك السماوات القادر الكلي القوة الممجَّد الذي بيده كل الأمور والذي يستطيع ويقدر أن يستجيب لكل توسلاتنا.

74. ماذا يقول السيد في نهاية الصلاة عن ترك خطايا مَن لنا عليهم؟

“فَإِنَّهُ إِنْ غَفَرْتُمْ لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، يَغْفِرْ لَكُمْ أَيْضًا أَبُوكُمُ السَّمَاوِيُّ. وَإِنْ لَمْ تَغْفِرُوا لِلنَّاسِ زَّلاَتِهِمْ، لاَ يَغْفِرْ لَكُمْ أَبُوكُمْ أَيْضًا زَّلاَتِكُمْ.” (متى 14:6-15).

75. ما الذي يعبّر عنه السيد بهذا التفكير؟

إنّه يعبّر عن الشرط المطلَق المتعلّق بالصلاة الربّية.

76. إلامَ تشير الأمور المذكورة أعلاه؟

إنّها تشير إلى الرجاء الذي ينبغي امتلاكه في علاقتنا مع الله.

77. إلامَ يشير هذا التعليم وما هي نقطته المركزية؟

إنه يشير إلى كمال خُلُق أتباع السيّد ونقطته المركزيّة هي الأسس الأخلاقية لناموس الإنجيل.

78. أين يبدأ المخلّص ليطوّر تعليمه؟

يبدأ بالصوم.

79. أيمكن أن نفهم السبب الذي جعل السيد يبدأ من الصوم؟

بالتأكيد. بدأ المخلّص من الصوم لأنّه انتهى بالصلاة، والصوم والصلاة مرتبطان بشدّة. فالصوم المقدّس الذي يُتَّبَع لتطهير القلب ورفع الفكر محرّكه هو الصلاة والعبادة النقيّة لله.

Leave a comment