مصاصو الدماء

مصاصو الدماء*

الأب أنطوان ملكي

 

هذا الموضوع هو دعوة مزدوجة إلى الآباء والأمّهات من جهة وإلى الأبناء من جهة أخرى. فالأهل مدعوون إلى مقارنة ما يشاهده أولادهم، على الشاشات، بما كانوا يشاهدونه هم أنفسهم، حين كانوا في عمر أولادهم. والأبناء مدعوون إلى إعادة النظر في ما يشاهدون ويتابعون.

ليس الكلام عمّا يقرأ الأولاد لأنّ الأولاد الذين يقرؤون كتباً غير دروسهم نادرون، وهذا ما يزيد من تأثير ما يشاهدون. الأفلام، كانت وما زالت، تدور حول أشخاص خارقين يحملون الخلاص والحرية والأمان والحب  للآخرين. بعض الأبطال يُعطون قوى ومواهب تتخطّى القدرة البشرية وتسقط الواقعية عن الأفلام، هذا إذا كانت موجودة أصلاً. لا يتّسع هذا الموضوع لمعالجة كل الفكر الذي يحرّك السينما ولا زواريب التجارة المتداخلة مع العصر الجديد كفكر وفلسفة وإيمان وممارسة. لذا، سوف يتمّ التركيز على ظاهرة واسعة الانتشار مؤخّراً، ألا وهي تلك المتعلّقة بمصاصي الدماء والسحرة. ففيما كان، في الماضي، الكلام عن كائنات خيالية خالدة تتغذّى من الدم البشري، كلاماً محرّماً مرعِباً، صار اليوم مادة جذّابة وموضوع أغلب الأفلام السينمائية والمسلسلات التلفزيونية والكتب، لمَن يقرأ من الأحداث. فهذه الكائنات الخيالية، بحسب ما نشاهد، لم تعد تصطاد الناس وتقتلهم، وإذا فعلت ذلك فهو كَرَدّة فعل على ما يفعله الناس. بالمقابل هي تتلافي الناس هرباً منهم، لذا ينبغي التعاطف معها. غالباً ما تُصوّر هذه الكائنات، خاصة في برامج الأطفال، على أنّها تُحسِن إلى الناس وتدافع عنهم، حتّى أنّها تُغرَم بهم، كما في قصص المراهقين (Twilight). يتفنن المخرجون اليوم في إدخال مصاصي الدماء في كل تفاصيل الحياة ليقرّبوهم من أولادنا. أين المشكلة في هذا إذا كان الأولاد يفهمون أن هذا تمثيلاً بتمثيل؟ لكن هل يكفي أن يفهم أولادنا ذلك حتّى يتضح لديهم الفرق بين الحقيقة والخيال، وبين الدين والأساطير، وبين المعجزات والسحر؟ هل أفلام الخرافة والشعوذة هي المصدر الأفضل ليتعلّم الناس عن الحب والتضحية وإنكار الذات؟ ماذا عن مجموعات التواصل على الإنترنت التي تدور حول هذه الشخصيات ويشارك بها أبناؤنا، فيترسّخ فيهم هذا الفكر وتتأثّر أذواقهم به فيظهر ذلك في لباسهم وحركتهم؟ ماذا عن الإلفة التي تنشأ بين الطفل والعنف من مشاهد الدم التي لا يخلو منها أي عرض، حتى كرتون الأطفال؟ ماذا عن الأبطال الذين لا ينهزمون، وماذا يتعلّم الأبناء منهم؟

في أدبياتنا التربوية والاجتماعية الكثير عن مساوئ التلفزيون، لكن الحالة التي نواجه اليوم في التلفزيون والسينما وأدب الأطفال والمراهقين، هي أزمة أبعد من مجرّد تأثير. نحن اليوم أمام صياغة جديدة للسقوط. مصاص الدماء يمتّص ما لا ينبغي المساس به ليكتسب قوة ويصير خالداً. هذا الأمر عينه أوحت به الحيّة لحواء، أي أن تأكل التفاحة، التي لم يكن ينبغي المساس بها، فتزداد قوة وتصير خالدة. الصورة نفسها فما الذي ينبغي عمله، حتى لا يسقط أبناؤنا؟ إنّ هذا الفكر لا يترك مساحة كبيرة لله. لذا،  لا نتوقّعنّ من الولد أو المراهق الذي يتابع أفلام ومسلسلات مصاصي الدماء والسحرة والمصارعة والعنف، أن يكون مؤمناً بأن الله هو وحده الخالق القوي الخالد المحب العطوف العادل. ومثله كثرة الأبطال الذين لا يُهزَمون، في أفلام أبنائنا وألعابهم الإلكترونية، لن تؤدّي إلاّ إلى التشكيك بالله وبوجوده، وإلى تحويل الإنجيل من كتاب خلاص إلى أسطورة.

ليس تخطّي هذه المشكلة أمراً بسيطاً، بل هو معقّد يتطلّب تكافل المجتمع كله: العائلة والمدرسة والجمعيات والأندية. حجر الزاوية هو العائلة: مطلوب من الأهل أن يتّخذوا قراراً حول أيّ فكر يريدون أن يكسِبوه لأبنائهم، وأيّ إله يريدونهم أن يؤمنوا به. إذا كان المسيح هذا الإله فلينتبهوا إذاً مما يحمله التلفزيون والفضائيات والسينما والإنترنت والألعاب الإلكترونية إلى بيوتهم.

 

* عن نشرة الكرمة

Leave a comment