تفسير الصلوات العمومية حسب ترتيب الكنيسة الأرثوذكسية

تفسير الصلوات العمومية حسب ترتيب الكنيسة الأرثوذكسية

عن كتاب “التعزية الحقيقية في الصلوات الإلهية”


إن عدد الصلوات العمومية في كنيسة المسيح الأرثوذكسية هو في كل يوم تسع صلوات على عدد الطغمات الملائكية التسع التي تسبح الله بلا فتور. وهي:

1. صلاة نصف الليل.

2. صلاة السحر.

3. الساعة الأولى.

4. الساعة الثالثة

5. الساعة السادسة.

6. الساعة التاسعة.

7. صلاة المساء.

8. صلاة النوم.

9. صلاة القداس الإلهي.

وأهم هذه الصلوات التسع هو القداس الإلهي وأما الثماني الباقية فهي صلوات إستعدادية له. وفي الأيام التي لا يصير فيها قداس إلهي تقوم مقامه صلاة التبيكا  أي الرسوم المعروفة أيضاً بالمكارزمي أي التطويبات.

أما ما كان من خصوص أوقات إتمام هذه الصلوات التسع اليومية فالكنيسة قد  في خصصت لها ثلاثة أوقات في اليوم وهي الصبح والضحى والغروب جمعت في كل وقت منها ثلاث صلوات من الصلوات التسع المذكورة آنفاً على حسب إنقسام الطغمات الملائكية التسع إلى ثلاثة أجواق وفي كل جوق ثلاث طغمات. فصلاة الصبح تتألف من   صلاة نصف الليل وصلاة السحر وصلاة الساعة الأولى. وصلاة الضحى تتألف من صلاة الساعة الثالثة وصلاة الساعة السادسة وصلاة النبيكا أو المكارزمي (إذا لم يكن قداس إلهي). وصلاة الغروب تتألف من صلاة الساعة التاسعة وصلاة المساء وصلاة النوم. ولكن قد جرت العادة بأن صلاة النوم لا تتلى بعد صلاة المساء بل قبل الذهاب الى النوم.

ولما كان المساء هو بدء اليوم حسب قول الكتاب في وقت الخليقة “وكان مساءٌ وكان صباح يوم واحد” (تك1: 5) لأجل هذا تعتبر الكنيسة صلاة المساء بدء الصلوات اليومية ونهايتها الساعة التاسعة. فالساعة التاسعة والحالة هذه ولئن كانت تتلى دائماً قبل صلاة المساء إلا أنها تختص باليوم الماضي وأما صلاة المساء فتختص باليوم التالي دائماً.

على أن ترتيب أوقات الصلوات التسع هذا (ما عدا وقت صلوات الصبح) يختلف في أيام الصوم الكبير (ما عدا السبوت والآحاد فيه). ففي أيام هذا الصوم المقدس التي لا يصير فيها قداس مطلقاً تتألف صلاة الضحى من الساعة الثالثة والساعة السادسة والساعة التاسعة وصلاة التبيكا وصلاة المساء. وأما الأيام التي يصير فيها قداس إلهي (أي خدمة القدسات السابق تقديسها المعروفة بقداس البروجيازميني) فصلاة الضحى تتألف حينئذ من الساعات الثلاث المذكورة ومن صلاة المساء وصلاة القداس الإلهي. وفي وقت الغروب تتلى صلاة النوم الكبرى.

وإذ علمتَ أيها الأخ المسيحي عدد الصلوات العمومية وأوقات إتمامها بقي أن نورد لك تفسير ترتيب كل واحدة منها على حدة.

1 –  تفسير ترتيب صلاة نصف الليل

في كتاب السواعي الكبير نجد ثلاث خِدم لصلاة نصف الليل الأولى منها لأيام الأسبوع والثانية لأيام السبوت والثالثة لأيام الآحاد. أما السبب في تنويع صلاة نصف الليل هذا فهو لأن الكنيسة في ترتيبها هذه الخدمة قد أرادت مراعاة ثلاثة أمور مهمة وهي أولاً تذكيرنا بمجيء ربنا وإلهنا يسوع المسيح الثاني حين يأتي فجأةً كالسارق في الليل (مت25: 1 – 13) والذي في مثل العذارى العشر يشبه بختن آتٍ في نصف الليل (مت25: 1 – 13). ثانياً تحريضنا على تسبيح الرب في منتصف الليل تبعاً لنموذج أبناء كنيسة العهد القديم (مز118: 62) وتشبهاً بالملائكة الذين يسبحون الرب بلا فتور (مز148: 1و2). وثالثاً تذكيرنا بقيامة المسيح المجيدة التي صارت حسب قول الإنجيليين “باكراً جداً في غلس السبت المسفر عن أول الأسبوع” (لوقا24: 1 ومت28: 1) أي بعد منتصف الليل حالاً.

فالأمر الأول أي مجيء الرب الثاني تذكرنا به خصوصاً صلاة نصف الليل اليومية. ولهذا فهي مؤلفة من قسمين في الأول منها تقصد الكنيسة أن تحضرنا نحن الأحياء لإستقبال مجيء الرب الثاني محرّضة إيانا أولاً على التوبة والندامة بتلاوة المزمور “إرحمني يا الله الخ” ثانياً على الطهارة القلبية والعيشة بغير لوم ولا عيب ولا دنس بتلاوة مزمور “طوباهم الذين بلا عيب الخ” وثالثاً على الإيمان الحقيقي والرجاء الثابت بمراحم الإله القدوس الموحد الجوهر والمثلث الأقانيم بتلاوة دستور الإيمان والتسبيح المثلث التقديس وبقية الطروباريات والأفاشين. وأما في القسم الثاني فتحرضنا الكنيسة على إستعطاف الرب حافظنا الذي لا ينعس ولا ينام لكي يؤهل جميع الراقدين من أبائنا وأخوتنا للوقوف أمام منبر المسيح الرهيب بدون خزي ويمنحهم التمتع بالحياة السعيدة الخالدة.

والأمر الثاني المأخوذ من نموذج كنيسة العهد القديم وملائكة الله القديسين تذكرنا به صلاة نصف الليل التي للسبوت ولا سيما لأن السبت هو عيد مختص بكنيسة العهد القديم. وهذه الصلاة مؤلفة أيضاً من قسمين كالمذكورين في صلاة نصف الليل اليومية ما عدا الفرق الآتي وهو أولاً عوضاً عن مزمور “طوباهم الخ” (الذي يتلى في أيام السبوت في صلاة السحر) تتلى ستة مزامير تتضمن أقوالاً نبوية عن مجيء الرب الثاني. وثانياً عوضاً عن الطروباريات “ها الختن يأتي في نصف الليل الخ” وما بعدها تتلى الطروباريات ” يا ذا الطبيعة الغير المخلوقة الخ” وما يتلوها كما وبعد الأفشين “أيها السيد الإله الضابط الكل الخ” يتلى أفشين آخر “أيها الرب إني أعظمك تعظيماً الخ” وذلك لأن هذه الطروباريات مع هذا الأفشين تدعونا لمماثلة الملائكة في تسبيح الإله بلا فتور.

والأمر الثالث أي قيامة المسيح المجيدة تذكرنا به صلاة نصف الليل التي للآحاد. ولهذا أولاً لا يوجد فيها القسم الثاني المحتوي على تذكار الراقدين. وثانياً عوضاً عن المزامير يرتل القانون الثالوثي وعوضاً عن دستور الإيمان ترنم الثالوثيات وعوضاً عن الطروباريات ترتل الطاعة وذلك لأن هذه جميعها تتضمن تسبيح الثالوث الأقدس وتمجيد الناهض من القبر في اليوم الثالث المسيح الإله المانح الحياة.

2 – تفسير ترتيب صلاة السحر

إن الوصية طبقاً لوصية الرسول الآمرة بإقامة صلوات وطلبات وإبتهالات أول كل شيء لأجل الملوك وجميع أصحاب السلطات (1تي 2: 1 – 4) قد وضعت في بدء الصلاة السحرية صلاة خصوصية لأجل الملوك التي تنتهي عند قول المرتل “آمين. باسم الرب بارك يا أب” أي عندما تُطلب البركة من الكاهن لإبتداء الصلاة السحرية.

ثم بما أن السحر هو وقت انصداع الفجر أي بدء ظهور النور الطبيعي لهذا قد عنيت الكنيسة بترتيب خدمة الصلاة السحرية على نسق يذكرنا ظهور النور الحقيقي أي ورود المخلص الى العالم. وفي الحقيقة إذا أمعنا النظر في خدمة الصلاة السحرية رأيناها تتضمن جميع ظروف ظهور المخلص على الأرض.

فأول كل شيء نسمعه في صلاة السحر هو التمجيد الملائكي “المجد لله في العلاء وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرة” الذي سمعه رعاة بيت لحم حين ولادة المخلص. ثم تصير بعده تلاوة المزامير الستة السحرية التي تشير الى تلك الحالة التي صار إليها الرعاة حين استماعهم من الملاك بشرى ميلاد المخلص. لأنها تتضمن تارة فرحاً بإقتراب الخلاص وتارة خوفاً من أعداء كثيرين يطلبون هلاكنا. ثم تارة رجاءً بمراحم الرب وصلاحه وتارة اضطراباً عند شعورنا بكثرة خطايانا ومآثمنا. وبالإختصار تتضمن إظهار حاسيات وعواطف مختلفة تتحرك طبيعياً في قلب كل إنسان يسمع فجأة بشرى ظهور مخلص عظيم لجميع العالم. أما ترتيل “الله الرب ظهر لنا. مباركٌ الآتي باسم الرب” فيذكرنا بظهور المخلص المولود لرعاة بيت لحم ولمجوس المشرق الذين أتوا ليسجدوا له. ثم تلاوة الكاثسماطات ومزمور التوبة أي المزمور الخمسين تحرضنا على التوبة التي كان يوحنا السابق والصابغ يدعو إليها قبلما ابتدأ يسوع المسيح بتعليمه. أخيراً تدعو الكنيسة كل نسمة وكل خليقة لتقديم التسبيح والشكر لله على أعمال رحمته ومحبته للبشر التي انكشقت على الخصوص عند ظهور المخلص  على الأرض الذي هو نور العالم الحقيقي. ولهذا يصير حالاً ترتيل أو تلاوة المجدلة أي “المجد لك يا مظهر النور الخ”.

3 – تفسير ترتيب صلاة الساعة الأولى

لما كانت الساعة الأولى تتلى حالاً بعد صلاة السحر لهذا قصدت الكنيسة في ترتيبها أولاً أن تحرضنا على استدعاء البركة السماوية والمعونة الإلهية لتسهيل أشغالنا وأعمال أيدينا اليومية كما يدل على هذا فحوى المزمور ال89 وثانياً ان تذكرنا أنه في هذه الساعة من النهار قد سلم رؤساء الكهنة وشيوخ اليهود الرب يسوع المسيح ديان العالمين الى أيدي القضاة الظالمين الذين مع كل نفاق الذين سلموه وكذبهم لم يجدوا فيه شيئاً مستوجباً الحكم عليه كما يدل على هذا جلياً فحوى المزمورَين الخامس والمئة.

4 – تفسير ترتيب صلاة الساعة الثالثة

هذه الساعة قد رتبتها الكنيسة على نسق يذكرنا من الجهة الواحدة بالحكم على ربنا وإلهنا يسوع المسيح بالموت الذي أصدره بيلاطس في هذه الساعة من النهار كما يظهر هذا بكل وضوح من فحوى المزمورَين ال16 وال24 ومن الجهة الثانية بحلول الروح القدس على الرسل الأطهار في الساعة الثالثة من النهار كما يتضح من المزمور ال50 ومن الطروبارية والافشين أيضاً.

5 – تفسير ترتيب صلاة الساعة السادسة

هذه الساعة قد خصصتها الكنيسة لتذكار ما احتمله ربنا يسوع المسيح وهو معلق على الصليب من الآلام التي يشير إليها تماماً فحوى المزمورَين ال53 وال54 أما المزمور ال90 فيشير الى أن ملكوت المسيح أي كنيسته لم تبطل بآلامه بل بقيت ثابتة وستبقى الى دهر الداهرين لأن نسل المرأة أي يسوع المسيح قد سحق راس الحية أي الشيطان.

6 – تفسير ترتيب صلاة التبيكا

ان صلاة التبيكا تُتمم عادة بعد صلاة الساعة السادسة وهي تصير عوضاً عن صلاة القداس الإلهي. ولهذا فهي مؤلفة من المزمورات والطروباريات والطلبات التي تتلى أو ترتل في صلاة القداس الإلهي كما سترى

Leave a comment