أيٌّ منهما هو التقليد؟

أيٌّ منهما هو التقليد؟

عن الأدب الروسي

نقلها إلى العربية الأب أثناسيوس بركات

لم تكن الأمور تجري على ما يرام، في قرية أومْسْك Omsk. ففي كل سنة، وخلال الصوم الكبير، حين يُقال في صلاة السَّحَر: “مباركٌ أنت يا ربّ علمني حقوقك”، كان نصف الحاضرين يَضربون مطّانية (سجدة) صغيرة والنصف الآخر يقوم بمطانية كبيرة حتى الأرض.

القائمون بمطانية صغيرة كانوا يبدأون بالهمس بحدّة قائلين للآخرين: “لا! لا! فقط الصغيرة!”، مما يجعل القائمين بالمطانية الكبيرة يهمسون بصوت أعلى: “هذا خطأ! مطانية كبيرة!” من الذي يرشدكم في هذا الأمر؟ هل هو الشيطان؟!” ويبدأ العراك بالأيدي، مما يجعل الاستمرار بالخدمة أمراً متعذّراً.

في نهاية المَطاف قرّرَ أبناءُ الرعية، المُنهَكين من العراك، أن يسألوا كاهنهم، الأب بنجامين. “أبتِ، ما التقليد؟ في الصوم، عندما نصل إلى “مبارك أنت يا ربّ علمني حقوقك”، هل نقوم بمطانية صغيرة أم كبيرة؟” فكان الأب المسكين، الذي كان يعي الحقدَ المرافقَ لذلك النِّزاع، يرتعد ويشحب لونُه، ثم يذوي هاوياً إلى الخلف.

فذهبوا، بعدها، إلى إسقيط السّابق (يوحنا المعمدان)، وسألوا الرئيس: “أبتِ، يَجري جدالٌ عنيف في رعيتنا، ونريد أن نعرف ما هو التقليد؟ إذ إن نصف الرعية يقول أنه ينبغي أن نقوم بمطانيات صغيرة أثناء ترتيلنا “مبارك أنت يا رب علمني حقوقك”، أما النصف الآخر فيقول بوجوب قيامنا بمطانيات كبيرة. فيبدأ العراكُ الرهيب. لذا، قُلْ لنا ما هو التقليد؟”. بُهِتَ الرئيس أناتولي لدى رؤيته الشراسةَ الباديةَ على وجوههم.

فصرخ أحدُهم: “دعونا نذهب إلى الشيخ يوحنا ونسأله!” كانت تلك فكرةً رائعة. من المؤكّد أن إجابة الشيخ ستجلب السلام، لأنه يَلقى احتراماً من الجميع، فهو من سكان القرية، وشيخوختُه ذات الـ 94 عاماً منحته المعرفةَ حولَ كيف كان التقليدُ القديم.

كان جمهورٌ كبير قد تجمّع عند كوخ الشّيخ الواقع في طرف البلدة. دخل حوالي 15 شخصاً من كلا الطرفين إلى الكوخ ووجدوا الشيخ الضّعيف مستلقياً على سريره. وفيما كان يَجهَدُ للنهوض وتقديم الشاي لهم، قاطعوه قائلين: “أيها الشيخ يوحنا، عليك مساعدتُنا! ما هو التقليد؟ كلَّ سنة في الصوم، حين ترتيل “مبارك أنت يا رب علمني حقوقك”، يقوم نصف الناس في قريتنا بمطانيات صغيرة، والنصف الآخَر بمطانيات كبيرة، فنبدأ بالجدال حتى أن الخدمة لا تصل إلى الختام بسبب عراك الأيدي!”. عندها، قال الشيخ يوحنا بحزم، وبصوت يرتجف من ثقل السنين، فيما كانت الدموع تنهمر من مُحَيَّاه المُشرق: “هذا… هو… التقليد!”.

Leave a comment