حول رسالة العنصرة

حول رسالة العنصرة

الأب أنطوان ملكي

يقول القديس يوحنا الذهبي الفم معلّقاً على المقطع الذي قرأناه من الرسالة إلى العبرانيين: “عجائب الإيمان اثنتان: من جهة ينتج إنجازات كبيرة ومن جهة أخرى ينشئ عذابات كبيرة لا يقدّر حجمها”. من هنا أن المؤمن لا يكتفي بالإنجازات بل يتوقّع أيضاً العذابات. وتحمّل العذاب بحد ذاته هو إنجاز كبير. ذَكَرَ الرسول بولس في المقطع الذي قرأناه العديد من القديسين الذين نعرفهم كما أورد صفات تنطبق على كثيرين ممن لا نعرف. هؤلاء جميعاً تقدّسوا لأنّهم قبلوا بالعذابات من أجل الإيمان واحتملوها ولم يكتفوا بقشور ولا تطلعوا إلى تحقيق الإنجازات. تسمير العينين على الإنجازات يزرع الخوف في الإنسان فيفقد القدرة على احتمال المشقات، لأنه يرى فيها ابتعاداً عمّا اعتبره هدفاً وإنجازاً. القديسون سعيهم هو إلى لقاء المسيح، لذا رأوا في الشهادة اقتراباً من هدفهم. فأين نحن اليوم من هذا؟ نسمع في العالم كله أخباراً عن اضطهاد المسيحيين، وخسارتهم “حقوقهم”، وتعرّضهم للضغوط، فبمَ نفكّر، جماعياً أو فردياً؟ نجرَّب كلّ يوم بأخبار ومشاهد ودعوات ودعايات وأفكار واحتياجات، إذا ما استجبنا لها تبعدنا عن الله. فعلى أي أساس نتعاطى معها؟

القراءة من الرسالة اليوم هي لكل مَن يسمع هذه الأخبار أو يحيا هذه التحديات. لكن، القديسون الذين عدّدهم الرسول بولس تغلّبوا على هذه التجارب ومع هذا ليس لهم أن يكملوا من دوننا. ما معنى هذا الكلام؟ هؤلاء القديسون ينتظروننا حتّى يتكللوا. إنّهم ينتظروننا حتّى يقول لهم الربّ: “انظروا ما أزهرت أتعابكم فهؤلاء الذين كنتم لي شهوداً لديهم، قد تعلّموا منكم فصبروا كما صبرتم، واحتملوا مثلما احتملتم، لهذا سوف أكلّلهم كما كلّلتكم، فيكون فرحي بكم كاملاً ويكون فرحكم ببعضكم البعض كاملاً، لأنكم أحببتم بعضكم كما أنا أحببتكم”.

هذه هي علاقتنا بالقديسين. إنهم هذه السحابة من الشهود الذين نتمثّل بهم حتى “نطرح كل ثقل والخطيئة المحيطة بنا بسهولة”. هذا هو معنى شفاعة القديسين، أن نتمثّل بهم لنغلب الخطيئة. ليس القديسون محجة لطلباتنا وحسْب، نرسمهم على حسب احتياجاتنا، ونخصص كل واحد منهم بموهبة، فهذا للمرض وذاك للثروة والآخر لراحة البال… القديسون هم المثال الذي نتبعه، الشمعة التي تسير أمامنا، الدليل المجرَّب الذي اختبر كل ما نختبره ونجح فيه. الشفاعة هي وجود هؤلاء القديسين محيطين بنا كالسحابة “لنحاضر بالصبر في الجهاد الموضوع أمامنا”، على ما يرِد في القراءة من رسالة اليوم. علاقتنا بالقديسين هي في هذا التمثّل بهم والسير على طريقهم، لأنه طريق مجرَّب ومكفول أنّه يوصِل إلى الله.

Leave a comment