حول إنجيل العنصرة

حول إنجيل العنصرة

كاتب مجهول

أخذ المسيح على عاتقه أن يشبعنا ويروينا خلال رحلتنا في هذا العالم حتى نصل إلى السماء حيث الخبز السري والماء السري. لذلك، في العهد القديم، حيث كانت الأمور بالصور والرموز، المسيح كان الصخرة التي تفيض ماء والمنّ الذي أكله الشعب. أما في العهد الجديد فقد أعطانا جسده ودمه بشكل واضح. وليس هذا فحسب بل دعانا لأن نأتي إليه حين نعطش فنشرب، وليس لنشرب فقط بل لأن نتحوّل في داخلنا لصخرة يفيض منها الماء للآخرين. بطن الإنسان هو داخل نفسه وإرادته، هو الإنسان الداخلي حيث يقوم ملكوت الله.

إنّ دور الإنسان في طلب الربّ أساسي ولهذا قال “إن عطش أحد”. مَن لا يعطش لا يبحث عن الماء. ولأن الربّ يتكلم عن العطش الروحي، فكلامه يعني أنّ غير المهتم لن يبحث عن المسيح، والفاتر لن يبحث عنه، والمتكبّر لن يبحث عنه. العطش هو الشعور بالاحتياج للمسيح. أما من لا يشعر بهذا الاحتياج فهو الذي لا يؤمن بالمسيح ولا يثق به ويحبه، وبالتالي لا يسلم له حياته ويقبله كملك بالمحبة ويؤمن بألوهيته ويجرى إليه طالبا الامتلاء من الروح القدس.

أما الأنهار التي تجري من داخل الإنسان فهي مواهب الروح وبركاته التي بها يصير المؤمن بركةً لغيره. فهي تجري لأن المؤمن بالمسيح يتّحد به، ومتى فتح فمه يتكلّم الروح الذي في داخله. وهذا الكلام ينطبق على الكنيسة التي تجري من بطنها الأسرار التي تفيض غنى الروح القدس على أولادها.

وكون المسيح هو مصدر الإرتواء، فهو وحده الذي يشبع النفس والروح. النفس لا تشبع حقًا سوى من الله ولا يكفيها كل ما في العالم. لهذا، لا يحلّ مشكلة الإحساس بالفراغ والعزلة، التي يعاني منها هذا الجيل، سوى المسيح ومحبته. ولكي يحمل الواحد منا المسيح ويفيض به على الآخرين كما يقول الرب في الإنجيل، يجب أن يكون ممتلئاً منه. الروح القدس، من اليوم الذي أرسله الرب، صار يسكن فينا ويملؤنا بحسب جهاد كل واحد. وبقدر امتلاء كل واحد، تظهر ثمار الروح الذي فيه، سلاماً ومحبة وتعليماً على قدر ما أُعطي له.

يفسر الإنجيلي يوحنا كلام المسيح عن الماء بأنه إشارة إلى الروح القدس لأنّ المسيح لم يكن بعد قد مُجِّد. لكن المجد بدأ بالصليب الذي هو قمة رفض هذا العالم. لهذا، من يُقبل على ملذات هذا العالم يكون بلا مجد، لأن العالم باطل. المسيح في صليبه لم يخف من الموت، وهذا قمة المجد الذي يشمل الصليب والقيامة، أي غلبة الموت، والصعود إلى السماوات. هذا كلّه قد تمّ وها نحن نعرف اليوم مجد المسيح. لهذا، علينا أن نسعى إليه لنحصل عليه ونشترك به. هذا المسعى لا يكون إلا بحياة صالحة ترضي الرب الذي لا يملأ روحه القدس قلب الإنسان الذي يمجد المسيح بحياته.

Leave a comment