المعرفة والتفوقية عند الأطفال

المعرفة والتفوقية عند الأطفال

ماريا قبارة

المقدمة:

يقول الأب بورفيريوس الرائي:”تبدأ تنشئة الأولاد من لحظة تكوينهم، فالجنين يسمع ويشعر وهو في أحشاء أمّه. إنّه يسمع ويرى بعينيّ الأم، يُدرك تحرّكاتها  ومشاعرها، رغم أنّ فكره لم يكن قد نما”. ويولد هذا الإنسان مزوّداً بالاستعدادات التي تجعل منه كائناً قادراً على التكيّف مع البيئة المحيطة به، وأهم هذه الاستعدادات هي القدرة على التعلّم والمعرفة، وإدراك الأشياء، والتي بدونها لا يمكن أن تنمو وتتطور القدرات الأخرى. وتبدأ عمليات التعلّم أو المعرفة عند الإنسان منذ الصغر، وتستمر طوال حياته، فالحياة داخل الرحم مهمة جداً. فماهيّة المعرفة وتعلّم الطفل تتفاوت من طفل إلى آخر في كثير من الأحيان، كما ارتباطها بالذّكاء الذي يملكه والتفّوق الذي يحصّله.

ماهيّة المعرفة:

جاء في الكتاب المقدّس: “الآن حكمة ومعرفة” (2أي10:1). المعرفة ضرورية للحياة مع الله الكليّ المعرفة “المعلم الإنسان المعرفة”(مز10:94)، الذي يحبّ الحكماء الممتلأون من  المعرفة “الحكماء يذخرون معرفة” (مز14:10)، “شفاه الحكماء تذّر معرفة” و”لسانهم يحسن المعرفة” (مز7:15) (أم2:15). الحكيم عند الله هو الذي يقبل الإرّشاد ويتعلّم بذي فهمٍ ويكتسب الفضيلة ” وفي الفضيلة معرفة” (2بط5:1)، فالمعرفة خير والجهالة شرّ ” أمّا الشرّير فلا يفهم معرفة” (أم7:29).

ومن المعرفة مخافة الله “روح المعرفة ومخافة الرّب” (اش2:11)، والإنسان الذي يحبّ التأديب هو الذي يحبّ روح المعرفة (أم1:12)،  أمّا الذين يجدون المعرفة ينجون (أم 9:11).

من تزداد معرفته هو الإنسان الذكّي المتوَّج بهذه المعرفة (أم18:14)، والله منذ البدأ خلق الإنسان على صورته ومثاله عارفاً الخير والشرّ (تك22:3، 5).

فالمعرفة هي الفهم “خر31:35) والحكمة والعلم، فعليك بأذنيك إلى كلمات المعرفة فهي متاع ثمين، وفضلها ظل الفضة (جا12:7).

من هو الطفل المتفّوق وكيفية تعلّمه؟

لقد استخدم البعض هذا المصطلح ليعبّر عن الأطفال الذين يحصلون على درجة عالية في اختبارات الذكاء، ومن هؤلاء العلماء “تيرمان” إذ اعتبر الموهوب هو من لا تقل نسبة ذكائه عن 140. أما “هولبخورت” و”بيرت” فقد عرّفا الموهوب بأنّه من تزيد نسبة ذكائه عن 130. وهناك فريق ممّن يرون أنّ اختبارات الذكاء غير كافية لتحديد الموهوبين. فالكائن الحيّ يمثل وحدة تتكامل فيها المميزات الجسمية والوجدانية والإدراكية ولا يمكن الحكم على الكائن الحيّ بقياس ناحية منها دون اعتبار النواحي الأخرى. ونتيجة لهذا، يرى ” ثورندايك” وغيره، أن يُضاف إلى اختبارات الذّكاء: آراء المدرّسين، وسجّلات المدرسة، واختبارات القدرات العقلية.

تقول روث سترانغ :(Ruth Strang) في كتاب تربية المتفوّق أنّ المفاهيم المرتبطة به:

(The national society for the study of education)

إنَّ التفّوق مظهرٌ متكامل لنمو الطفل الكلّي، وهو متصل بجميع مظاهر النمو. وبالرغم من الاختلاف الظاهر بين الطفل المتفّوق والطفل العادي في بعض مراحل النمو، وفي بعض المجالات، فليسَ هناك وجود لإختلاف كليّ.

“فالطّفل طفل ولو كان متفّوقاً”، إنَّ التفّوق متعدد الجوانب ومتعدد النماذج، إذ تجد أطفالاً موهوبين في ضمن المتفوقين عقلياً. كما تجد أنماطاً مختلفة في الشخصيات بين الأفراد الموهوبين في الموسيقى والفنون والعلوم والقيادة وهم قبل كلّ شيء متفوقون في المعرفة ومستوى الإدراك عندهم عالٍ وله درجاته المختلفة. فالتفّوق يتَّخذ أشكالاً عدّة معتمداً على الظروف الخاصة.

إنَّ الأطفال المتفوقين ليسوا جماعة متجانسة، إذ توجد فروق فردية بين الأطفال المتفوقين أنفسهم، والتفّوق موجود في درجات مختلفة. ويمكن القول بأنّه يتدرج في الموهبة البسيطة إلى أعلى مستويات العبقرية.

التفّوق متدرج في تقدمّه وتطوّره منذ الولادة حتى النضج، فهو ينمّي ذاته بواسطة استجابات الفرد للمؤثرات البيئية. ويمكن أن يُقضى عليه بواسطة الحرمان المتزايد من الحبّ والعطف، ومن النقص في المؤثرات الفكرية، ومن الفرص المحدودة للعلاقات الاجتماعية. وفي ظلّ الظروف الجيدة، ينتظر أن يحافظ المتفوقون على مستواهم الفطري العالي في العفوية والأصالة والإبداع والتحصيل.

إنّ أوجه التفّوق للمرحلة الابتدائية التعليمية تتمثل في السلوك العلني الظاهر التالي:

  1. التفّوق في الذكاء
  2. التفّوق في العلوم
  3. التفّوق في المواهب الخاصة
  4. التفّوق في القيادة الاجتماعية

1- التفّوق في الذكاء:

إنَّ للذكاء تعريف بثلاث فئات واضحة هي:

الفئة الأولى: وهي التي اعتبرت الذكاء قدرة عقلية فردية عامة في جميع العمليات العقلية، فمثلاً يقول وودرو: “الذكاء هو القدرة على التكيف العام مع المشكلات الحياتية”.

الفئة الثانية: وهي التي تعتبر الذكاء ليس قدرة واحدة بل هي قدرتين أو ثلاث.

الفئة الثالثة: وهي التي تعتبر الذكاء مجموعة من العوامل أوالسمات تزيد عن ثلاثة.

الذكاء يتأثر في نشأته ونموه بالتفاعل القائم بين المحددات الوراثية والمثيرات البيئية، ويُولدُ الفردُ وهو مجهزٌ بدوافع وقوى وقابليات متباينة. والاختلاف القائم بين الأفراد في الذكاء عائدٌ إلى مدى استخدام الأفراد لعقولهم في التنظيم والادراك والمقارنة والتفسير للبيئة المحيطة بهم. وهكذا فالذكاء يخضع للتعلم والاكتساب. ولكنّ قدرات الفرد قد تقف حائلاً إذ إنَّ الفرد يملك قدرات معينة وباستطاعته أن ينميها، كما له حدوداً وراثية لا يمكن أن يتخطاها، وهناك عوامل مهمّة مؤثرة على الذكاء أهمها: عوامل الوراثة والبيئة الأسريّة أو العائلية والعمر الزمني والجنس والمستوى الذي ترقى إليه العمليات العقلية.

2- التفّوق في العلوم:

يذكر “هيثنسون” في كتابه: تربية الأذكياء، أنّ التقصير في العلماء والرياضيين ظاهر في الميدان التربوي، ومن دون نسبة عالية من الرياضيين والعلماء فإنَّ التعليم التكنولوجي المُنتَظَر سيكون على شفير الهاوية، لذلك يؤكّد أهمية اختبار الأفراد الأذكياء وتقديم الفرص التربوية لهم، لأنّهم المؤهَّلون لأن يكونوا رجال المستقبل ورواد العلم والتقدم التكنولوجي المُنتَظَر.

يشير “براندوين” Paul brandwin إلى أنّ القدرة العلمية تحتوي ضمناً القدرات التالية:

1-             القدرات الشفهية

2-             القدرات الاستدلالية

3-             القدرات العددية

يقول: إنّ نمّو الطفل المتفّوق يتأثر فعلياً بالخبرات المتنوعة وبالظروف البيئية المحيطة به. ويبدو أنّ التعرف على الطفل المتفّوق في العلوم في المرحلة الابتدائية ليس أمراً عسيراً، فالقدرات العقلية التي هي الأسس العملية في العلوم يمكن قياسها وتشخيصها باتّباع بعض الاختبارات العقلية. ويمكن اكتشاف القدرة العلمية أيضاً بواسطة الملاحظات الدورية المستمرة من قِبَل المعلمين، ومراقبة النشاطات والمشروعات التي يختارونها بعيدة عن المواد المنهجية المقرّرة. ويتميّز الطفل المتفّوق في العلوم عن أقرانه بالخصائص التالية:

1-             نجاحه في الحساب وتقدمه المستمر

2-             قراءته المبكرة وميله إلى المطالعة في كتب الاختراعات العلمية والاكتشافات

3-             ممارسته المشروعات والنشاطات الإضافية الخاصة

4-             صرفه وقتاً معتبراً في إنجاز وتنفيذ مواضيع مهمة بالنسبة له

فالفرد الذي يتصّف بهذه الصفات لابد أن يكون في طريقه لاكتساب مهنة في العلوم.

3- التفّوق في المواهب الخاصة:

الشخص المتفوّق هو الشخص الموهوب كما أنَّه الشخص العبقري، فالتفوق من ثمَّ يضمّ عبارة الموهوب والعبقري بين طيّات معناه. ولا يُستساغ القول بأنّ الشخص موهوب وليس متفوقاً. ولكن يصّح القول بأن تفوّق هذا الشخص هو في المجال الموسيقي مثلاً ولكن نسبة ذكائه تقترب من المتوسط وهذا التشخيص يعني بأنّ الفرد يملك الموهبة الموسيقية، وأبدعَ في الموسيقى ولكنّه بحاجة إلى رعاية لتنمية التفكير الخلّاق المبدع لديه، وأنَّ بعض قدراته بحاجة إلى تدريب وعناية. ولابدَّ من الملاحظة بأنّ النقص الاجتماعي والعاطفي والصحي قد يرتبط بالذكاء والمواهب الخاصة، ولقد دلَّت الأبحاث على وجود مثل هذا الارتباط، وأكدت بأنّ الارتباط هذا غير طبيعي، لأنّه ليس من الضروري أبداً أن يكون العبقري أو الموهوب مجنوناً أو غريب الطَّبائع، وهو لذلك بحاجة لمعالجة خاصة.

4- التفّوق في القيادة الاجتماعية:

تعود الصفات الفردية للتفّوق في القيادة إلى عوامل رئيسية ثلاثة:

1- العوامل الجسمية:

ويعني بها العوامل الشكلية الخارجية أيّ الوزن والطول والصحة والمظهر الخارجي، وقد أتت نتائج الاختبارات سلبية، إذ نفت وجود عوامل جسمية تميّز القائد من الفرد العادي.

2- الذّكاء:

ويعني به القدرة العقلية العامة والقدرة الشفوية المجردة، خاصّة وأنّ النشاطات الاجتماعية والثقافية والرياضيّة تتطلب مهارات عقلية فائقة، بالإضافة إلى القدرات الشفوية المجرّدة.

3- الثّقة بالنفس:

تُبيّن نتيجة الأبحاث أنَّ العامل النفساني، أيّ الثقة بالنفس، له الأثر في تكوين القائد الاجتماعي. كما أظهرت ارتباطاً مرتفعاً بين ثقة الفرد بنفسه والقيادة الاجتماعية.

أمّا التلميذ القائد فيتميّز بمايلي:

– تفوقه على أقرانه في العمر الزمني الواحد

– مشاركته للقيام في معظم الأعمال داخل الصف وخارجه

– تمتّعه بقدرة فائقة على الملاحظة الدقيقة

–  فضوله للقيام بالأعمال والتعرف على الأشياء

–  خياله

رعاية الموهوبين في المنزل:

تُبيّن نتائج عديدة من الدراسات التي أُجريت على الموهوبين أنَّ الظروف المنزلية الملائمة، لها أهمية كبرى في تقدم نموهم، ففي مقارنة عُقدت بين أفراد في مجموعة تضم ستمائة منهم، قُسّمت إلى قسمين: 1- الأكثر نجاحاً، 2- الأقل نجاحاً

وُجد أنَّ الأفراد الأكثر نجاحاً يتميزون عن الآخرين بظروف منزلية أكثر استقراراً من نواحي دوام رباط الزوجية وثقافة الأبوين. والمساواة بين أفراد العائلة والصحة العقلية الممتازة التي تدلّ عليها قلة حالات الشذوذ في الأقارب. وهكذا يظهر أثر التربية المنزلية، فالطفل في حاجة إلى الجوّ المنزلي الذي يُثير الابداع والابتكار ويُشعره بالانتماء ويشجّع فيه مواهبه الخاصة. وقد يتأخر نمو بعض قدرات الأطفال الموهوبين نتيجة للظروف المنزلية غير الملائمة، فكثير من الآباء تعوزهم القدرة على معرفة تفوق أبنائهم بسبب نقص معلوماتهم عن خصائص مراحل النمو المختلفة، أو لجهلهم بالنتائج المترتبة على إهمال نواحي التفّوق عند الأطفال، أو لعدم معرفتهم بطرق تنمية هذه القدرات وتوجيهها الوجه السليم. فقد يظهر طفل موهوب في الخامسة من عمره بقدرات عقلية جديدة بالنسبة لطفل في الثامنة أو التاسعة، ومن ناحية النمو الاجتماعي يكون هذا الطفل متفّوقاً على أقرانه من نفس عمره ولكن ليس بنسبة تفّوقه العقليّ.

التعاون بين المرشد المدرسّي والأسرة:

تُعتبر المدرسة المؤسسة التربوية التي يقضي فيها الطلبة معظم أوقاتهم. وهي التي تزودهم بالخبرات المتنوعة، وتهيؤهم للدراسة والعمل، وتعدّهم لاكتساب مهارات أساسية في ميادين مختلفة من الحياة، وهي توفّر الظروف المناسبة لنموّهم جسميّاً وعقليّاً واجتماعياً.. وهكذا فالمدرسة تساهم بالنمو النفسي للطلبة وتَنشئتهم الاجتماعية والانتقال بهم من الاعتماد على الغير إلى الاستقلال وتحقيق الذات.

إلّا أنَّه في كثير من الحالات نرى أنَّ المدرسة تنظر إلى الطلبة كما لو كانوا مجموعة متجانسة لا تَمايزَ فيها ولا تفرّد. وبذلك فهي تغفل سماتهم العقلية والنفسية والاجتماعية ولا تراعي الفروق في استعداداتهم ومعرفتهم وقدراتهم واتجاهاتهم ومواهبهم. فالطالب المثالي النموذجي هو الذي يبدي اهتماماً بالدراسة واحتراماً لقوانين وأنظمة المدرسة والعاملين فيها.

ونجد في كثير من الأحيان أنّ المدرسة لا تفهم حاجات الطالب ومشكلاته الدراسية والمدرسية، ولاتتهيأ لمواجهة متطلبات نموه العقلي والمعرفي والاجتماعي، بل تقف في وجهه وتتهمه بالكسل، ومن ثمّ يُظهر الطالب سلوكيات لا تتناسب مع المعايير الاجتماعية السائدة. وتأخذ هذه السلوك أشكالاً مختلفة سلبية تظهر في الصف كاللهو والتمرّد والتوترات الانفعالية وعدم الرغبة في المدرسة والهروب منها. كلّ ذلك يزيد من قلق الطالب واضطرابه وينعكس سلباً على تحصيله الدراسي. وأمّا الأهل فهم يشتكون من حالات ضعف مستوى أبنائهم وتحصيلهم. غير مدركين للأسباب الحقيقية الكامنة وراءها أو سبل علاجها، وقد يلجأ البعض منهم إلى الأسباب القسّرية وغير التربوية لحثّ أبنائهم على الاجتهاد وكثيراً ما تكون النتائج سلبية.

من هذا المنطلق جاءت خدمات الإرشاد المدرسي في المدارس كوسيلة فعّالة من أهم وسائل التربية المتطورة، في عصر تتغير فيه الاحتياجات بتسارع مذهل، وتتصاعد فيه المشكلات في البيئة المدرسية والعائلية والاجتماعية والحياتية. ونذكر من المشكلات الشائعة التي قد يعاني منها الطلبة على سبيل المثال: مشكلات التقصير الدراسي، مشكلات الاستعدادات والميول والتي تؤثر في نجاح الطالب دراسياً، ضعف الدافعية للدراسة، عادات الدراسة الخاطئة، صعوبات التعلم، وغيرها من مشكلات قد تعود أسبابها إلى عوامل تربوية ونفسية واجتماعية أو اقتصادية أو صحية. ولابد من القول بأنّ الخدمات النفسية والتربوية لا تحقق الأهداف المرجوة منها إلاَّ من خلال التعاون والتنسيق بين المرشد المدرسي والمدرسة والأهل معاً. ومساعدة الأهل للمرشد المدرسي أساسية في فهم مشكلات أبنائنا وفي علاجها.

يوميات طفل موهوب عمره ثلاث سنوات:

قال يوماً جيزيل: “ثلاث سنوات هي نوع من النضج”.

أعرف أن أشدّ انتباه الكبار إليّ. أعرف كيف أعبّر عن مشاعري أو عن انزعاجي تجاه الأشخاص الكبار والأولاد الآخرين من أترابي. أحب أن أقود الأولاد الذين هم في مثل سني وأن أتفّوق عليهم، أشعر بالفخر والمجد عندما أنجح بالقيام بشيء معقد. أتوقع نتائج أعمالي. والمفاهيم المجردة لم تعد تخيفني. أستطيع أن أتخيل أشياء حتى لو لم أرها. أستعين بخيالي لاختراع طرق جديدة في اللعب. أصعد السلالم بوضع رجل بعد الأخرى على كلّ درجة وأنزل بوضع الرجلين معاً على كلّ درجة ولكنني أقفز عند الدرجة الأخيرة. أطرح الأسئلة بدون توقف. أعرف أننّي صبي وأعرف اسم عائلتي. يمكنني أن أكرّر جملة من ستة مقاطع وأن استخدم الجمع مع مفردات عددها 300كلمة. موهبتي هي الرسم وأرسم سواء طُلب منّي أم لا. فأرسم دائرة أو صليباً. حتى أننّي أحاول أن أرسم شخصاً. لا أبوّل تحتي في السرير ولكنّي بحاجة إلى بعض الملاطفة في المساء.

كيف تكون الحياة داخل الرحم؟

عندما سمعت إليصابات سلام مريم وهي تلقي عليها التحية ارتكض الجنين في بطنها وامتلأت من الروح القدس… وقالت… فإنّه عندما بلغ سلامك إلى أذنيّ ارتكض الجنين بابتهاج في بطني!. (لوقا41:1-44)

إنَّ أحاسيس الجنين قد أتى على ذكرها الانجيل نفسه، ثم طمست فيما بعد لعدّة قرون. ولم يعدّ اكتشاف روعة وغنى الحياة “قبل الولادة” إلّا مؤخراً. إنَّ الجنين هو “شخص” يرى ويسمع ويشعر ويتذوق ويتحرك… الخ. فالولادة إذاً تبدو كحلقة من الحياة التي بدأت فيما بعد على كلّ المستويات الحسيّة.

التربية على ضوء الكتاب المقدس

1. دور الأهل في التربية:

إنَّ حياة الوالدَين داخل البيت وحدها تحمي وتُنشئ أولاداً صالحين. يجب على الوالدَين أن يُعطوا أنفسهم لمحبة الله أولاً. يجب أن يصيروا بوداعتهم، وبصبرهم، وبمحبّتهم لبعضهم قدّيسين بالقرب من أولادهم. وأن يضعوا كلّ يوم خطّاً جديداً وشوقاً جديداً، وغَيرة ومحبّة للأولاد. سوء تصرُّف الأولاد ينتج عن خطأ الأهل بشكل عامّ. لا النصائح ولا النظام ولا القساوة تخلّص الأولاد. إن لم يتقدس الوالدَين، إن لم يجاهدوا، يرتكبوا أخطاءً كبيرة وينقلوا الشرّ الذي في داخلهم. فسلوك الأولاد له علاقة مباشرة بحالة الأهل.

2. دور المدرسة في التربية:

أنتم التربويّون تنقلون القلق سراً إلى الأولاد وتؤثرون عليهم من حيث لا تدرون. بالإيمان يرحل القلق. نقول في الطلبات: “لنودع أنفسنا وبعضنا بعضاً وكلّ حياتنا للمسيح الإله”.

الحاصل مع الأهل يمكن أن يحصل مع التربويّين. في المدرسة تستطيعون أن تساعدوا الأولاد بالصلاة والقداسة. يمكن أن تظلّلهم نعمة الله وبها يصيرون أولاداً صالحين. لا تحاولوا تصحيح الحالات السيئة بطرق بشرية، لأنّ ذلك لا يأتي بأيّ نفع. اطلبوا النعمة الإلهية للجميع، لتذهب إلى أعماق نفوسهم، لتبدّلهم وتغيّرهم. هذا يكون مسيحياً. يقول القدّيس يوحنا الذهبي الفم:”وكلما خَبِرنا الحياة نشعر ونزداد قناعة بأنَّ تربية الأولاد درجة من الفضيلة تؤدي إلى سلوك روحي وإلى منهج مقدس”.

قابلوا الأولاد بمحبة الأطفال المميَّزة. عندما تدخلون الصفّ اغمروا بنظرتكم كلّ الأولاد، صلّوا ثمّ تكّلموا مقدِّمين لهم ذواتكم. عندما تقومون بهذه التقدمة في المسيح، سوف تفرحون. هكذا ستتقدَّسون أنتم مع الأولاد. ستعيشون داخل محبة المسيح وداخل الكنيسة، لانّكم تصبحون صالحين داخل العمل.

  1. نظرة الآباء:

إنَّ الدواء والسرّ الكبير لتقدّم الأولاد ومعرفتهم هو التواضع. الثقة بالله تُعطي ضمانة مطلقة. الله يريد أن نقود الأولاد إلى التواضع. لن نقوم نحن بشيء ولا الأولاد من دون التواضع. علينا أن ننتبه عندما تشجِّعون الولد. يجب ألاّ تقولوا له: “أنت ستحقّق كلّ شيء، أنت مهم، أنت متفوق!…..”، لأننّا بهذا الكلام لا نفيد الولد بل ينتج عنه نتيجة ذلك الكبرياء، بل أن نقول له: “يابنيّ، المواهب التي لديك من تفوّق وعلم ومعرفة هي نِعَمٌ قد وهبك إيّاها الله. صلِّ ليُعطيَك الله قدراتٍ لكي تزرعها وتُنميَها وتنجح بها. ليُعطيَك الله نعمته”.

المديح للأولاد مؤذٍ. فكلّ من يمدحُنا، يضلّنا ويفسد طرق حياتنا. فالمديح لا يهيئ الأولاد لأيّة صعوبة في الحياة، فينشأون غير متأقلمين اجتماعيّاً فيتيهون وفي النهاية يفشلون. الآن فسد العالم. يقولون للولد كلّ أنواع المديح. علينا ألأّ نزعجه ولا نعاكسه ولا نضغط عليه. يتلقّى الولد هذا ولكنّه لا يستطيع أن ينفعل حقاً حتى وفي أصغر صعوبة، وفي ايّة لحظة يعاكسه أحد، ينفجر غضباً، فيفقد طاقته. الأهل هم أولّ من يتحمَّل فشل الأولاد في الحياة ومن ثَمّ المعلّمون والأساتذة، لأنَّهم يمدحونهم باستمرار. يقولون لهم أقوالاً ذاتية وأنانية. لا يجلبونهم إلى روح الله، يبعدونهم ويغرِّبونهم عن الكنيسة.

لا يُبنى الأولاد بالمديح المتواصل على تفّوقهم وعلى مواهبهم، بل بهذا يصبحون أنانيين ومحبيّن للمجد الباطل والفارغ. يرغبون أن يُمتدحوا من الجميع باستمرار في حياتهم كلّها حتى ولو كان المديح كذباً. نقود الأولاد بالمديح منذ صِغرهم إلى الأنانية والكبرياء.

إنّ المديح على التفّوق وعلى كثرة المعرفة والمواهب يجعل الإنسان فارغاً ويطرد نعمة الله. فتفكير مجتمع اليوم يُسيء إلى الأولاد. له نفسية أخرى، تربية أخرى، تتوجَّه إلى أولاد ملحدين. هذا التفكير يقود إلى الاستقلالية.

يتعلَّم الأولاد من الآباء الروحييّن. تعليم الآباء الروحييّن يعلّم أولادنا عن الاعتراف، عن الأهواء، عن الشرور كيف كان ينتصر القدّيسون على ذواتهم الشرّيرة، وكيف يصيرون متواضعين، وينسبون مواهبهم إلى الله.

الخاتمة:

وهكذا تتضح أهمية هذه المرحلة –مرحلة ما قبل المدرسة وأثناءها- ودور المنزل في تكوين شخصية الطفل وفي وضع أسس صحته الجسمية والنفسية وعلاقته الاجتماعية بوجه عام. وأن يبتعد قدر الامكان عن التكبر نتيجة هذا التفّوق والمعرفة الحاصل عليهما، بل أن يحسب الآخر أكثر ذكاءً وأرفع مستوى في كلّ شيء وينسب لله كلَّ معرفته لأنَّ محبته تفوق المعرفة (أف19:3). أيّ بكلمة كما يقول القدّيس دوروثاوس غزة في كتاب التعاليم الروحية: أن نحسب أنفسنا أدنى من كلّ الناس. وأن ننسب إلى الله الأعمال الصالحة. هذا هو التواضع الكامل عند القدّيسين. وهو يُولد في النفس بتطبيق الوصايا. انظروا إلى الأشجار المحمَّلة بالأثمار. هذه الأثمار تجعل الأغصان تميل وتنحني إلى أسفل. بينما الغصن الذي لا يحمل ثمراً ينتصب في الهواء وينمو سوياً. وهناك أيضاً أشجار لا تحمل ثمراً  كونها تنمو مستقيمة نحو السماء، ولكن إذا علّقنا بها حجراً، جذبها إلى أسفل وأخذت تعطي ثمراً. هكذا النفس كلما تواضعت أنتجت ثمرَ التفوق والمواهب، وكلما أثمرت تواضعت. لأنّ القدّيسين كلما اقتربوا من الله رأوا أنفسهم خطأة.

المراجع

-الأب برفيريوس الرائي، مقالات روحية مختارة،  إصدار دير مار ميخائيل نهر بسكنتا، 2004

-القديس دوروثاوس غزّة، التعاليم الروحية، المقالة الثانية في التواضع، تعريب الارشمندريت افرام كرياكوس، طبعة ثانية منقحة1996

-أديسون، ويلارد. تطوّر نمو الأطفال، ترجمة ابراهيم حافظ وغيره، القاهرة، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، 1962

-روسَّان، ليونيل. التفتُّح النفسي-الحركي، تعريب د. جورجيت الحداد، بيروت-لبنان

-جينس آرثر وآخرون. علم النفس التربوي، ترجمة ابراهيم حافظ وغيره، القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1958

-صالح، أحمد زكي. خصائص النمو ومطالبه في علم النفس التربوي، 1968

-عبد القادر طه، فرج. أصول علم النفس الحديث، الطبعة الثالثة، 1999

-فهمي، مصطفى. سيكولوجية الطفولة والمراهقة، القاهرة.

Leave a comment