حول الصلاة والمرض في حياتنا

حول الصلاة والمرض في حياتنا

الأب أنطوان ملكي

تشكّل الصلاة جزءً مهماً من كل التقاليد الدينية. لهذا، فإن سؤال “ما هي الصلاة” له أجوبة وتحديدات مختلفة. كثير من الإجابات قد تشبه ما أتذكّره منذ حداثتي في كتاب التعليم الديني: “الصلاة هي رفع عقولنا وقلوبنا إلى الله”. قد تكون الصلاة علنية أو ضمنية، فردية أو جماعية. الكثير من أشكال الصلاة قد يتضمّن أوجه من العبادة والتوسّل والشكر. يخبرنا أبونا الروحي القديس مرقس الناسك: “هناك طرق كثيرة للصلاة…. ما من طريقة مضرّة…” (القيلوكاليا 1). يعكس القديس دوروثاوس أسقف غزة تعليم الآباء الشرقيين بأنه لكي تكون الصلاة فعّالة يجب أن تتمّ بقلب نقي.

يمكن أن تقدّم الصلاة منافع جسدية ونفسية وروحية. مثلاً، أظهرت نتيجة دراسة تمّ نشرها في 2011 تراجعاً في أعراض متلازمة القولون المتهيج لدى مجموعة مارست التأمّل. في مثل آخر، أظهرت دراسة حديثة في علم النفس أن النساء الأميركيات من أصل أفريقي اللواتي يؤمنّ بأن الله يتحكّم في حياتهن يسعين أكثر لطلب معلومات صحية من أطبائهن.

إلى هذا، يظهر من خلال شهادات العديدين الذين يعملون في حقل الطب أن سنوات الخبرة تظهر لهم أن تأثير العلاقة بين التديّن والصحة إيجابي جداً على المرضى. هذا لا يعني أن الناس تخلّوا عن الطب واكتفوا بالصلوات بل أنهم، قبل كل خطوة أو زيارة طبيب أو فحص طبي او جراحة، يلجئون إلى الصلاة، الشخصية أو الجماعية من أجل المرضى.

يختلف الأمر بين المؤمن وغير المؤمن، كما بين المؤمن الممارِس وغير الممارس، كما بين الإنسان المصلّي وغير المصلّي. نقرأ في سير الرهبان أن كثيرين منهم لا يلجئون إلى الأطباء، ولكن هذا ليس قانوناً رهبانياً، وهم لا يطلبون الأمر نفسه من أبنائهم أو ممن يطلب نصيحتهم. الوصف الذي يقدمه الراهب خريستوذولوس عن وضع الأب باييسيوس في أيامه الأخيرة وتعاطيه مع مرضه ومع الطب والأدوية مميز جداً، علماً أن ما طبّقه على نفسه هذا الأب لم يطلبه من أبنائه الروحيين. قد يرى بعض الدارسين أن إهمال الأب لمرضه أدّى إلى تفاقم وضعه، لكن يمكن الإثبات إحصائياً أنّ نسبة عالية من الذين يلجئون إلى الأطباء في حالات مماثلة، لا يعيشون أكثر مما عاش هذا الأب. يكمن الفرق في نوعية هذه الحياة، فكما تظهِر سيرة الشيخ أنّه عندما سؤل عن وضعه، وكان يضع قناع التنفس، أجاب بأنه رائد فضاء، وقد أُعطي ميدالية دالاً إلى حيث كان يوضع شريط علاج القلب. هذا إن دلّ على شخصية مرِحة، إنما يدلّ ايضاً على عدم الخوف من الموت. وهنا يكمن بيت القصيد في التعاطي مع المرض، فالذي لا يخاف من الموت لا يخاف من المرض، وهذا يساعد كثيراً على تأمين الخلفية النفسية الملائمة لتخطي المرض. وتخطي الخوف من الموت، بشكل فعلي، لا يُكتَسَب إلا بالصلاة.

ما يشدد عليه تعليم الكنيسة هو أن الاتكال هو الله أولاً، لأن الطب لا يستطيع منفرداً أن يغيّر العالم، بل الله الذي يغيّره. في هذا الخصوص، لقد وعدنا بالصحة وغيرها من الأمور الجميلة لكنه أضاف: “اطْلُبُوا أَوَّلاً مَلَكُوتَ اللهِ وَبِرَّهُ، وَهذِهِ كُلُّهَا تُزَادُ لَكُمْ. فَلاَ تَهْتَمُّوا لِلْغَدِ، لأَنَّ الْغَدَ يَهْتَمُّ بِمَا لِنَفْسِهِ. يَكْفِي الْيَوْمَ شَرُّهُ” (متى 33:6-34). هذا الطلب هو جزء من الصلاة. نتعلّم من الآباء أنّ المنافع الروحية للصلاة أكثر من أن تُحصى.

من جهة أخرى، يذكّر القديس دوروثاوس أسقف غزّة بأن الصلاة بقلب نقي تتطلّب الحفاظ على حسّ مستمر بوجود الله. يعلّمنا القديس اسحق السرياني حول هذا: “يُفتَح باب المعونة للإنسان بالقدر الذي يتناسب مع الشرف الذي يظهر في شخصه لله أثناء الصلاة، ما يقود إلى التنقية والاستنارة في الصلاة”.

يوماً بعد يوم يظهر العلم الحديث، الذي لا يقوم على الغرور بل على المنطق والصدق في البحث، أنّه لا ينافي ما علّمه آباؤنا لألفيتين من الزمن، بل يكمّله ويثبّته لمن يريد أن يسمع وأن يقتنع. من هنا يبقى الأمر وقفاً على كل واحد من البشر في تفعيل إيمانه، وهذا أمر لا يتمّ فقط عند مواجهة المرض، بل يتطلّب تمريناً واستعداداً من خلال حياة الصلاة والصوم، حتى متى أتت ساعة الإنسان لا ينسى توبته.

  • Russ Gerber, The Positive Health Effects of Prayer, The Huffington Post, 08/02/2011
  • Priestmonk Christodoulos (1998) “Elder Paisios of the Holy Mountain”, Holy Mountain, 2006
  • Fr. George Morelli, The Need for Prayer in Our Lives, Chaplain’s Corner, Orthodoxy Today

 

Leave a comment