المسيحيّ يهتمّ بالتوبة لا بالندم

المسيحيّ يهتمّ بالتوبة لا بالندم

إعداد راهبات دير مار يعقوب الفارسي المقطع، دده – الكورة

كنّا نعمل جنبًا إلى جنب مع الراهب الأعمى إيسيذوروس من دير فيلوثيو في جبل آثوس عندما بدأت محادثة بينه وبين بعض الحاضرين، فسأله أحدهم:

– أبتِ، ما هو الفرق بين التوبة والندم؟

– الندم؟!! نحن لا نهتمّ بالندم البتّة. المسيحيّ الحقيقيّ يهتمّ بالتوبة فقط. انسوا الندم. نعم، المسيحيّ يهتمّ بالتوبة لا بالندم.

– ولكن، كيف يمكننا أن نميّز بين الإثنين؟!

– الندم هو، تقريبًا، شعور بالقنوط، يشعر به المرء عندما يفكّر بأمر أو عمل سيّئ قام به، أو لم يقم به. أقول “تقريبًا”، لأنّ الندم، في بداية الأمر، قد لا يملأ العقل بالقنوط، لا بل يشبه كثيرًا التوبة ومراجعة الذات ومحاسبتها، وهنا أرجو أن تنتبهوا إلى كلمة: “في بداية الأمر”. ولكن، يمكن للمرء معرفة الفرق بين التوبة والندم من خلال الثمار الناتجة عن كلّ منهما.

الندم هو رجل عمره ستّون عامًا، ينظر إلى حياته السابقة، ويرى كلّ الأخطاء التي اقترفها، وجميع الحوادث المزعجة التي صادفته، والأشياء التي يودّ تغييرها، والتي يقول إنّه سيحاول التعويض عنها في الوقت الحاضر، ولكنّ هذا التفكير يكون مليئًا بالحزن واليأس.

أمّا التوبة، فهي رجل عمره ستّون عامًا، أيضًا، وينظر إلى حياته السابقة، ويرى كلّ الأخطاء وجميع الحوادث المزعجة التي يودّ تغييرها، كسابقه تمامًا، ولكنّه يختلف عنه كونه لديه القبول والقدرة على تغيير المستقبل، ولذلك لا يطرق بابه اليأس البتّة.

التوبة هي الدموع المنسكبة، والتنهّدات المصعَّدة، والنوح على أخطائنا، على الأمور التي لم يكن من اللاّئق فعلها، وعلى الأمور التي كان يجب فعلها ولم نحقّقها، ويرافق ذلك قبول رصين وجادّ بأنّنا قد أخطأنا فعلاً، وأنّنا نحن المسؤولين عن أخطائنا هذه، وأنّنا، لو لم يتداركنا الله في غزير رحمته، لكنّا استمررنا في ارتكابها نظرًا لضعفنا وهشاشتنا.

الندم هو فكر يقول لك: “أنا أفضل من ذلك، ولكنّي، في جهل منّي، ارتكبت الحماقات”. فيما تقول لك التوبة: “أنا ضعيف، لكنّ الله قويّ”. الندم يختلط بالكبرياء، بينما تنتج التوبة من التواضع. الندم مغلَّف بالغرور، ولكنّ التوبة انسحاق، دائم، أمام الله. الندم يخلو من الأمل، ولا ينتج منه أيّ تغيير إيجابيّ مستمرّ، أمّا التوبة، فمملوءة من الرجاء، لأنّها على يقين أنّه مع الله كلّ شيء ممكن. الندم من الأرض، والتوبة من السماء.

الندم ينظر إلى الوراء، يتوق بحنين “مريض” لتصحيح الماضي، أمّا التوبة، فهي تطلّع، دائم، إلى الأمام، تنظر نظرة عابرة إلى الوراء لتذكّر النفس، فقط، أنّ الطريق مقطوعة بينها وبين الماضي كونه لا يصل بها إلى الوجهة المطلوبة. الندم يشلّ، والتوبة تحرّر.

ما هي ثمار الندم؟ الندم. وما هي ثمار التوبة؟ التغيير. الندم يملأ المسيحيّ بالحزن، والتوبة تملأ المسيحيّ بالتواضع والثقة بأنّ رحمة المسيح تشفي جراح الماضي، تملأ المسيحيّ بالرجاء من أنّ نعمة المسيح سوف تُخرج الخيرَ من الشرّ.

ويخبرنا القدّيس بطرس الدمشقيّ قائلاً: “من الممكن، دائمًا، البدء من جديد بواسطة التوبة. تسقط، يقول لك الكتاب “قم” (أم 16:24). وإذا وقعت مرّة أخرى، قم مرّة أخرى من دون أن تيأس، أبدًا، من خلاصك بغضّ النظر عمّا يحدث لك. على العكس من ذلك، ضع رجاءك كلّه على الذي قادر أن يخلّصك، وسوف يفعل معك أحد الأمرين: إمّا ينقذك من خلال التجارب، والتي وحده يعرف مدّتها وثقلها، وعندئذ، يجدّدك وينهضك. أو إنّه يقبل تحمّلك وصبرك وتواضعك ورجاءك، وسوف يتصرّف بمحبّة نحوك بطريقة لا تستطيع إدراكها، وهكذا يخلّص نفسك المكبَّلة. المطلوب منك، إذًا، ألاّ تتخلّى، البتّة، عن طبيبك، وإلاّ ستعاني، من دون وعي، الموت المضاعف سواء كان في هذه الحياة أو في الآتية (الفائدة الكبيرة من التوبة الحقيقيّة: الفيلوكاليا، المجلّد الثالث. الصفحة 170).

لذلك، دعونا نهتمّ لكلمات الراهب إيسذوروس، ولننسَ الندم ونتشبّث بالتوبة، رجاء المسيحيّين.

* عن Matushka Constantina Palmer  من موقع: http:// blog. Myocn. Com

Leave a comment