الرياء

الرياء

الأب أنطوان ملكي

“فَأَجَابَهُ الرَّبُّ وَقَالَ:«يَا مُرَائِي…»” ما معنى هذه الصفة؟ ولماذا استعملها الرب؟ الرياء أصلاً هو مظهر مزيّف للأخلاق أو للالتزام، لهذا عندما ينسجم سلوكنا الخارجي مع كلمة الله، دون انسجام دوافعنا، فنحن نتصرف برياء، وأعمالنا لا ترضي الله، تماماً مثل رئيس المجمع الذي قال كلاماً قد يكون كلام حق لكن غايته من ورائه باطلة. فهذا الرئيس والمحيطون به سمّاهم الرب في مكان آخر أبناء الأفاعي وحذّر الناس من خميرهم في مكان آخر، وكل ذلك لأنّهم مراؤون، يفعلون غير ما يبطنون ويظهرون خلاف مكنونات قلوبهم. لهذا أيضاً، حذّر الرب تلاميذه من تسلل الرياء إلى خدمتهم، وعندما امتدح بولس إيمان تيموثاوس قال بأنه إيمان عديم الرياء. يشبّه القدّيس يوحنا الذهبي الفم الرياء باللص الذي يتسلّل خفية إلى صفوف المتعبّدين. وتتصف تصرفات الإنسان بالرياء عندما تكون مدفوعة برغبة أنانية للمحافظة على شيء مما لديه كصورته وسمعته، بدلاً من الرغبة الإلهية في إكرام الله وكنيسته. فالإحسان إلى المحتاجين والصلاة والصوم هي بالأصل تصرفات صالحة بحد ذاتها، لكنها تتحوّل إلى أعمال رياء عندما تحرّكها الكبرياء وليس محبة الله والقريب. لقد حذّر الرب تلاميذه من خطيئة الرياء بكونها أخطر عدوّ للملكوت، لأن الخطايا الظاهرة يُمكن تداركها والتوبة عنها، أمّا الرياء فيتسلّل إلى حياة الرعاة والخدّام والمؤمنين، لا ليشغلهم عن الخدمة والعبادة، بل قد يُشعل فيهم الشوق نحو الخدمة والعبادة، لكن دون الشوق إلى الالتقاء مع السيّد المسيح نفسه، فيرتفع الإنسان بذاتيّته وأنانيّته تحت ستار الإيمان والالتزام والخدمة، فيظهر بناؤه شاهقًا بينما في الحقيقة هو بلا أساس.

إن الإيمان يُختَبَر على ضوء السيد المسيح شمس البرّ، كما تُختَبَر السوائل على ضوء الشمس لتظهر إن كانت نقية بلا شوائب. والإيمان النقي من الشوائب هو الذي غايته خلاص النفس والتمتع بالله لا الظهور أمام الناس ولا كلام المديح. وهذا الإيمان لا بد من ان يكون دافعاً صالحاً ينبع منه السلوك الصالح. إن الإيمان المقدس بحقٍ والذي بغير رياء والملتهب بنار المحبة يقدِّم للآخرين إمكانيّة الحياة مع الله ويسندهم في حاجاتهم. أما الإيمان الذي يحمل صورة التقوى بلا محبة حقيقية، فيقدم صورة سيئة تهدم الناس وتجعلهم ينفرون من الإيمان ويكرهون الحق. من هنا ضرورة أن يحذر المؤمنون، خاصةً منهم الذين في مواقع المسؤولية الروحية، من الانزلاق نحو الرياء بخوفهم على صورتهم أكثر من صورة المسيح، وبحرصهم على شعور الناس أكثر من حرصهم على الحق، وبتمسكهم بالحرف أكثر من تمسكهم بالمحبة والرحمة.

* تعليق على القراءة الإنجيلية في الأحد العاشر من لوقا (10:13-17). عن نشرة الكرمة.

 

Leave a comment