التنجيم

التنجيم

الخورية سميرة عوض ملكي


إن التأثّر بمسائل السحر والتنجيم كقراءة البخت أو الطالع وتحضير الأرواح والشعوذة والتنبؤ والتبصير والرجم بالغيب، وما إلى هنالك، تعاظم وزاد عدد المفتونين به حتى أصبح لديه كتب خاصّة ومجلات وصحف شعبية وألعاب وموسيقى وبرامج لا بل محطات تلفزيونية وبرامج “تعليمية” في العديد من الجامعات والكليات التي تعتبر السحر والتنجيم علوماً وتدرّسهما. إلى هذا، يتضمّن العديد من نصوص الكتب المدرسية الثانوية والابتدائية إشارات إلى هذه الممارسات بشكل يثير فضول التلاميذ ويجعلهم أكثر تقبلاً. وقد آثرنا الكتابة عن هذا الموضوع في هذه الفترة لأن الاحتفال بليلة راس السنة وبدء العام الجديد أصبح قريباً، والإقبال على هذه الظاهرة يتزايد في تلك الليلة، إن لم نقل أنه صار تقليداً لها. فترى الناس بأكثريتهم الساحقة شاخصين إلى المحطات التلفزيونية ليسمعوا ما سوف “يتنبأ” به هذا المنجم أو ذاك العرّاف عن المستقبل. حتى الذين يرتادون الكنيسة قد يتأثّرون بهؤلاء خاصةً إذا صحت إحدى تنبؤاتهم. فما هو موقف الكنيسة من التنجيم؟ وماذا نجد في الإنجيل حول هذا الموضوع؟

من الواجب قبل كل شيء أن نحدد ما هو التنجيم. هذا “العلم” الذي يلقى رواجاً اليوم ظهرت بوادره منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد. ويعرّف المنجمون المعاصرون “علم” التنجيم بأنه لغة رمزية أو شكل فني أو نوع من أنواع التنبوء بالمستقبل. وعلى الرغم من تعدد التعريفات وكثرتها يسود اتفاق على أن موضع النجوم السماوية يساعد في تفسير حوادث معينة في حياة الإنسان وأحداث الماضي والحاضر والتنبوء بالمستقبل.

أولاً، يمكن أن ندحض التعريف الأول من خلال الكتاب المقدس الذي يعلّم بأنه لا يمكن لأحد أن يتنبأ عن المستقبل أو يكشف إرادة الله إلا الله وحده، وذلك من خلال أنبيائه فقط، لأن النبي يتحدّث باسم الله، الذي اختاره، عن الذي سوف يحدث وهو الذي يعلن إرادته. وهذا يظهر جلياً في الكثير من المقاطع في الكتاب المقدس، نذكر منها سفر تثنية الاشتراع (18:18): “أقيم لهم نبياً في وسط اخوتهم مثلك وأجعل كلامي في فمه فيكلمهم لكل ما أوصيه به”. والنبوءة ليست عطية عشوائية من الله بل هي حلول الروح القدس على الإنسان عند بلوغه مستوى متقدم من النضوج الروحي والأخلاقي. وقد تتركه النبوءة إذا انحدر عن هذا الكمال الروحي. فالأنبياء إذاً كانوا أمثلة للقداسة والقرب من الله، ومَن يدّعي النبوءة من دون أن يستكمل هذه الشروط يكون كاذباً ونبؤاته من الشيطان. أما عن التعريف الثاني، الذي لا تقبله حتّى العلوم الطبيعية، فيقول القديس يوحنا الدمشقي بأن النجوم هي علامات للأمطار والتقلّب الجوي فقط ولا يمكن أن تكون إشارات إلى أعمالنا، لأن البارئ قد كوّننا مطلَقي الحرية، فأصبحنا أرباب أعمالنا. وإذا كنّا نعمل أعمالنا كلّها بدافع من النجوم، فنكون نعمل عن اضطرار وما كان عن اضطرار فليس هو بفضيلة أو برذيلة. وإذ لم نقتنِ فضيلة ولا رذيلة فلا نستحق ثواباً أو عقاباً، ويكون الله ظالماً”.

باختصار، يمكن القول بأنّ الله أدان بوضوح صناعة السحر وكل أشكال التنجيم في أماكن مختلفة من الكتاب المقدس، كما في تثنية 10:18-12 مثلاً: “لاَ يُوجَدْ فِيكَ مَنْ يُجِيزُ ابْنَهُ أَوِ ابْنَتَهُ فِي النَّارِ، وَلاَ مَنْ يَعْرُفُ عِرَافَةً، وَلاَ عَائِفٌ وَلاَ مُتَفَائِلٌ وَلاَ سَاحِرٌ، وَلاَ مَنْ يَرْقِي رُقْيَةً، وَلاَ مَنْ يَسْأَلُ جَانًّا أَوْ تَابِعَةً، وَلاَ مَنْ يَسْتَشِيرُ الْمَوْتَى. لأَنَّ كُلَّ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ الرَّبِّ.” لهذا اعتبرت الكنيسة التنجيم منذ بداياتها عبادة وثن. وتظهر إدانتها له في القانون 35 من مجمع اللاذقية، وفي تعاليم آبائها كما في “الوثيقة الاثني عشر” من القرن الثاني الميلادي: “يا بني لا تكن منجّماً فتنقاد إلى عبادة الوثن. احترس من الرقى ومن حسابات المنجمين ومن الشعوذات التطهيرية. ارفض رؤيتهم وسماعهم، لأنه من هذه الأمور تولد عبادة الوثن”.

وأخيراً، إن الإيمان بالتنجيم هو التجاء إلى قدرات أو قوى خارقة الطبيعة وهو بالتالي بدائل زائفة عن قدرة الله واستغناء عن العناية الإلهية وإلغاء للحرية البشرية.

 

* عن نشرة الكرمة

Leave a comment