التعامل مع الغضب

التعامل مع الغضب

 

أغلب الناس يعتقدون أنهم عندما يكونون غاضبين، هم بحاجة إلى إخراج الغضب من جهازهم. يوجد الكثير من كتيبات المساعدة الذاتية في علم النفس الشعبي التي تقترح الوسادة بدلاً من الشخص الذي أثار غضبنا، حتى نتوصّل إلى إعتاق علاجي وننفّس الضغط من طنجرة الضغط الخاصة بنا. يتبيّن أن نظرية التنفيس لا تحفظ المياه، ولا حتّى نقطة تجريبية واحدة. تظهِر الدراسات الحديثة أنّ “تنفيس الغضب” يجعل الإنسان أكثر غضباً وأكثر كَرَباً. ما من “ثأر” عندما يتعلّق الأمر بالأفكار الغاضبة. إذا رجعنا إلى شخص قد آذانا، نفكّر بالحادث أكثر وليس أقلّ، وهكذا نعاقب ذواتنا، وليس الآخر، بأفكارنا الغضبية.

أظهر البحث أيضاً أنه عندما نعاقب شخصاً قد أساء إلينا، نفكّر أكثر بعمل الشخص السلبي، والتفكير أكثر بالشخص يجعلنا نشعر بالكَرَب، والشعور بالكَرَب يجعلنا نحملق أكثر بضيمنا، وهكذا تنشأ حلقة مفرَغة تدور حول ذاتها، مراراً وتكراراً. بتعبير آخر، التنفيس لا ينفّس حقاً، إنّه لا يؤمّن الإعتاق، بل بالمقابل يربطنا بأفكارنا السلبية. لهذا السبب، مبدأ العين بالعين والسن بالسن في الحياة لا يجلب السلام الدائم، ولهذا السبب قال المسيح الذي هو سلامنا الأبدي: “لاَ تُقَاوِمُوا الشَّرَّ، بَلْ مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا”.

ينبغي على المسيحيين أن يعرفوا أكثر من الانتقام. لقد أشار القديس أوغسطين إلى أن المقصود من العين بالعين والسن بالسن كان إخماد الغضب بعدم السماح للشخص بأن يسبب جرحاً أكثر سوءاً مما تلقّى، حتى لا تنتشر لهب الغضب أكثر. لقد سمح بالتنفيس “المضبوط” لكنه كان بعيداً جداً عن الحل المثالي. إلى هذا، يسأل أسقف هيبو العالم: “مَن هو الذي إذا ما سمع إنساناً يهينه يكتفي بردّ كلمة واحدة، أي بالضبط ما يعادل الإهانة (من شرح العظة على الجبل).

يكتب القديس: “ما من ظلم في أن تطلب استرجاع دَين، مع أن في العفو عنه كرم. لنأخذ الكلام بقَسَم: مَن يقوم بذلك هو في خطر أن تكون شهادته زوراً، بينما مَن يقسِم لا يكون في هذا الخطر أبداً. بالطريقة عينها، مَن لا يشتهي الانتقام هو بعيد بالكليّة عن خطيئة الانتقام العادل أكثر ممن يطلب أن يسدد ما عليه وحسب. إنه لخطيئة أن يُطلَب أكثر ما هو متوجَب، مع أن المطالبة بدَين ليست خطيئة. لذا أفضل حماية من خطيئة الطلب غير العادل هي في عدم طلب أي شيء”. في ما يتعلّق بموضوعنا، التنفيس المضبوط خير من التنفيس غير الضبوط، ولكن عدم التنفيس هو أفضل ردود الفعل الممكنة.

إذاً، ما يحدده علماء النفس اليوم في القرن الحادي والعشرين، قد سبق وتلقّاه الآباء القدماء من كلمات المسيح قبل عصور. القديس يوحنا الذهبي الفم، بوجه خاص، أشار إلى أن الرد على الكلمات المؤذية بمثلها يزيدها قوة، بينما يضعفها التبسّم إذا كانت كلمات غبية، أو قبولها باتّضاع كالعشّار في حضور الفريسي إذا كانت كلمات صحيحة.

لكن بالإجابة بالمثل “نجلب العار على أنفسنا فنظهر مذنبين من جهة الأشياء المذكورة فتضطرب نفوسنا ما يمنح عدونا البهجة ويغضب الله ويزيد من خطايانا السابقة”. ماذا علينا فعله بدل ذلك هو “الالتجاء إلى ميناء الثبات الصبور المتألّم حتّى نجد راحة لنفوسنا”.

لقد وجد آباء الكنيسة، منذ زمن طويل، أن التنفيس لا يعمل فعلاً وحاولوا تشجيع سريعي الغضب على تنمية ضبط النفس. إن الدرب نحو السلام ليس التطهر من خلال التنفيس بل بإفراغ الذات من خلال التواضع والغفران والمحبة.

Leave a comment