لمحبة الإلكترونية

المحبة الإلكترونية

الخورية سميرة عوض ملكي

 

لعلّ ما قاله الرسول بولس في نشيده للمحبة (1كو13) هو أجمل ما قيل عنها. أترى لو كان الرسول في عصرنا هذا لأضاف إلى نشيده: “إن كنتُ أتواصل مع ملايين الناس عبر الإنترنت، ولو كنت أجيد استعمال الفايسبوك والسكايب والواتساب، وليس لي محبة فلستُ شيئاً”؟

يُلاحَظ اليوم أن الناس يضاعفون علاقاتهم بطرق لا يمكن تصوّرها عبر الإنترنت فيما هم يعيشون كالغرباء مع أهلهم وأصدقائهم وأقاربهم. وقد أشار أحد الأطباء النفسانيين إلى أن الاستخدام الفردي للحواسيب والانترنت يعزّز الرغبة والميل للوحدة والعزلة لدى المراهقين والشباب مما يقلّل من فرص التفاعل والنمو الاجتماعي والصحيّ الذي لا يقلّ أهمية عن النمو المعرفي وحبّ الاستطلاع والاستكشاف. وتشير بعض الدراسات الأوليّة إلى أنّ استخدام الإنترنت يعرّض الأطفال والمراهقين إلى مواد ومعلومات خيالية وغير واقعية مما يعيق تفكيرهم وينمّي بعض الأفكار غير العقلانية وخصوصاً ما يتّصل منها بأنماط العلاقات الشخصية والحياة والعادات والتقاليد السائدة في المجتمعات الأخرى.

ما من شكّ بأن الثورة الإلكترونية تُعَدّ من الاكتشافات الإيجابية الكبرى إذ توفّر مصادر غزيرة من المعلومات والوثائق والثقافة في كافة المجالات وحتّى يُستَفاد منها في تعزيز الثقافة عن الكنيسة وتاريخها وتقليدها وعقيدتها وأخبارها في كل العالم. لكن من جهة أخرى، كثيراً ما يلجأ الناس يلجأ إلى استعمال الإنترنت للتواصل مع بعضهم، ليس بدافع المحبة بل بدافع ملء الفراغ وقتل الوقت طرداً للضجر. ما نريد قوله، هو أن خبرة التواصل المُعاشة على الإنترنت لا يمكن أبداً أن تحلّ محلّ خبرة الإنسان العميقة ولا أن توقد نار محبة الله والقريب في نفسه. فحبّ الله حين يشرع في الاشتعال فينا، نبدأ بإتمام وصية الله الثانية. ما أن تحب الله حتّى تحب قريبك أيضاً كنفسك. علينا أن نعطش إلى محبة القريب ومنفعته. وهذا لا يكون بالكلام بل يتجسّد بالأعمال. فهل التواصل الإلكتروني عبر وسائل الاتصال والشبكات الاجتماعية يكسي عرياناً أو يسقي عطشاناً أو يأوي غريباً أو يطعم جائعاً أو يعزّي مريضاً؟ ففي حالات الحزن والمرض والحداد والاضطهاد والتهجير يحتاج الانسان إلى مَن يشدّ أزره فيبحث عن معزٍّ حقيقي. فهل العزاء الإلكتروني الذي تحمله الإنترنت حقيقي فعلاً أم وهمي نفساني خيالي؟

يذكر كتاب التكوين أنّ الله قال: “لنصنع الإنسان على صورتنا ومثالنا” (تكو26:1)، ما يعني أن الإنسان مخلوق على صورة الثالوث وليس مخلوقاً ليعيش وحده مع الآلة، بل ليكون في شركة مع الله ضمن عائلة وكنيسة. ونحن كأعضاء في الكنيسة، نحمل أثقال بعضنا البعض حتى تصير خدمتنا للفقراء والأرامل واليتامى والغرباء تعبيراً عن حبنا ليسوع فتَصِلنا به شخصياً. فهو الذي نسعفه من خلالهم في انتظار مجيئه الثاني، وفي هذا الإطار يقول الإنجيلي يوحنا: “مَن كانت له خيرات الدنيا، ورأى بأخيه حاجة، فأغلق أحشاءه دون أخيه فكيف تقيم محبة الله فيه؟” (1 يو17:3).

وأخيراً يقول الشيخ يوسف الهدوئي الآثوسي: “على كلّ مَن يرغب في الكلام عن الحب أن يقتني إعلاناً عن سرّ الحب. فقط، إذ ذاك، إذا ما سمح له نبع المحبة، يسوعنا الحلو، ينقل إلى الآخرين شيئاً من الثمر الذي تلقّاه، إذ ذاك ينفع قريبه بالتأكيد”. إن هناك خطراً كبيراً يتهددنا، فيما لو كان إنجاز وصية المحبة الإلهية والمحبة الأخوية محصوراً في وسائل التواصل الحديثة، وهو أن تبقى الشريعة الإلهية على ألواح حجرية تُبلى وتنكسر وليس في منحوتات إلهية للروح القدس الفاعل في قلوبنا.

Leave a comment