هل من صوم من دون توبة؟

هل من صوم من دون توبة؟

الأب برنابا ياغوس


نظراً لأن الصوم الكبير هو فترة التوبة بامتياز، وبما أن التوبة هي الشيء الوحيد الذي يمكننا إظهاره، ومن خلاله يمكننا أن نطمح إلى اكتساب نعمة الله المحِبّة، لذا نحن نعتبرها عنصراً أساسياً جداً.

العائق الأعظم، أو أحد أكبر العوائق، أمام التوبة هي رؤيتنا لأنفسنا: إنها الذات المثالية، الذات الخيالية والوهم الذي نكنّه لأنفسنا. فإن هذا الوهم حول ذاتنا المثالية والواجهة التي كوّنّاها وصدّقنا أنها تنطبق على شخصنا، هي بالتحديد ما يعطّل التوبة، ويشكّل العائق عندما نسعى إلى امتلاك حياة روحية.

في محاولتنا لتغطية مشاعر الذنب التي لدينا، تتحرّك آلية التفاعل والتنافر. بدلاً من التعبير عن أنفسنا أو عرضها وإيجاد اتصال مناسب مع واقعنا عن طريق ملاحظة الفساد، والسعي لاستعادة جمال الصورة الإلهية، نلجأ إلى أمور أخرى. نحن لا نملك العلاقة الجدلية السليمة مع ذنبنا لبلوغ التوبة. نحن نصدّ ذنبنا. نحن نتفاعل مع الأحداث، سواء كان ذلك داخلياً في ضمائرنا أو خارجياً، مع تدخل الناس والظروف التي يسمح الله بها، فنتفاعل معها لنحمي الصورة المثالية التي بنيناها عن أنفسنا. هذه الأعراض تكشف نفسها، ليس فقط فينا وفي عائلتنا، بل في الكنيسة أيضاً.

لإيضاح معنى هذا الكلام يجب أن نفهم أنّ كل الأمور التي تجري في أيامنا وزمننا مهمة. هناك أمر يُدعى التطهّر (catharsis). عبارة التطهّر في الكنيسة مرتبطة بالتوبة، فما معناها؟

لكي نحمي أنفسنا نختار أن نحمي الصورة التي صنعناها لنفسنا وصورة الآخرين عنّا، حتّى لو بطرد نعمة الله من حياتنا. وهكذا، قد نعترف بأخطائنا، إلا إننا نسعى إلى عذر لها، وبالتالي إلى مخرج. بدلاً من أن تؤدّي سقطتنا إلى التوبة، ترانا نحاول استعادة صورتنا في أعيننا وأعين الآخرين. هكذا لا يؤدّي إلى التطهّر على كل المستويات. هذا ما نراه في الأحداث الكنسية ونتصرّف بهذه الطريقة على كل المستويات.

خلال الاعتراف، ماذا نفعل؟ هاكم مثالٌ للفهم. نخطأ، ونترك بعض الوقت يمر قبل أن نشير إلى أبينا المعرّف: “آه! لم أقع في هذه الخطيئة الآن، بل قبل شهر” وقد نضيف: “لقد أخطأت فعلاً، إلا إنني قمت بمئتي سجدة من بعدها”

غالباً ما تكون الكفارات، ذات الدور التربوي في الكنيسة، عائقاً أمام التوبة. لماذا؟ مثال على الكفارات: “إذا أخطأتَ في هذه عليك أن تقوم بكذا”. هذا ينشئ في داخلنا صراعاً للنجاح. نحن لا نفهم أن للكفارات دور تربوي يطمح إلى إصلاح علاقتنا بالله، وليست حدّاً بذاتها، إذا نجحنا في تخطيه نكون في وضع جيد. نحن نقوم بمحاولات مؤلمة لكي نكون ممتثلين ونشعر بالاكتفاء. هذا يولّد الذنب، لكنّه الذنب المَرَضي، ولا يقود إلى التوبة، إذ يعيش الإنسان هذا النوع من القيود والتجربة التي جوهرها هو قانون مطلوب الامتثال به، وليس السعي إلى تحرير القلب والإحساس بالندم نحو الإنسان المُساء إليه، أو نحو المسيح الذي تعرضت العلاقة معه للتشويش. وهكذا، في هذا الإطار، ننحو إلى القول: “نعم لقد أخطأنا إلى هذا الشخص ولكننا نحاول أن نطهّر ذواتنا روحياً” أي “أننا أخطأنا لكننا ما زلنا نملك القوة للوقوف على أرجلنا”.

لكن هذا ليس ما يريده الله. إنه يريد اعترافنا بالخطأ وندامتنا، لا طمأنينة العالم ولا اعترافه، بل إصلاح صورتنا في عينيه بالتوبة. هذه مشكلة كلّ واحد منا، على المستوى الشخصي. مشكلتي، وربّما مشكلتكم أيضاً: إنها محاولة الهروب من ذواتنا المثالية. المشكلة الكبرى هي ذواتنا التي جعلناها مثالاً، أي الصورة التي رسمناها عن أنفسنا. بتعبير آخر، نحن نقدّم إرادتنا على إرادة الله. ومن ثمّ ماذا يحصل؟ التديّن يكون مرضياً عندما يكون مصدراً للشعور بالاكتفاء الذاتي روحياً لكي نحافظ على قيمتنا الشخصية، لكن لا علاقة له بالله ولا بالتوبة. وبالتالي لا يطهّر.

التوبة هي الانقباض الذي نحس به، ليس لأننا تغرّبنا عن الفكرة التي شكّلناها عن ذواتنا وصرنا نجاهد إمّا لمحو الإحساس الذنب لدينا أو للتفاعل ديناميكياً مع الذين يشيرون إلى أخطائنا ويتفحصوننا، بل لأننا تغرّبنا عن الله وصار جهادنا للتطهر من الذنب والتخلّص منه وليس التخلّص من الإحساس به وحَسْب.

من هنا، لكي يوصلنا الصوم إلى التطهر، لا مكان لصوم من غير توبة.

Leave a comment