أحبب صديقك بكلّ مساوئه وأخطائه

أحبب صديقك بكلّ مساوئه وأخطائه*

إعداد راهبات دير مار يعقوب الفارسي المقطع، دده – الكورة

 

كثيراً ما تحكم نباهة ذهننا أو سرعة إدراكنا على الأمور بخلاف الواقع. نتشدّد في علاقاتنا مع عشرائنا وأخصّائنا، ونطالبهم أن يتساموا على أهوائهم، وأن يتجاوزوا ضعفاتهم، وأن يكونوا مثاليّين، وإذ ذاك، فقط، يستحقّون محبّتنا وإكرامنا.

ولكن إن ألقينا نظرة مجرَّدة وحقيقيّة على داخلنا، فهل نرى أنفسنا على المثال الذي نطلبه من الآخرين؟ هل هي نبيلة مثلاً، وديعة، تعطي وتبذل بلا مقابل ومن دون شروط؟ ألا توجد في بعض جوانبها أجزاء مظلمة سيّئة؟ لماذا نطلب من الآخرين أموراً لا نملكها نحن؟ لماذا نطالبهم بتحقيق أمور لا نستطيع نحن أن نحقّقها؟ إن كنّا نفتّش على إنسان كامل لكي نحبّه، فإنّنا لن نحبّ أحداً البتّة، وعندها فقط نكون قد نسجنا تعاستنا بأيدينا.

الصداقة هي مشاركة ومساعدة. إن وقفتُ قرب صديقي وقفة بنّاءة، وليست وقفة نقّادة، أستطيع أن أقوده إلى الكمال، والعكس صحيح. وهكذا يساعد أحدنا الآخر على أن نتقدّم اليوم أكثر من البارحة في حياتنا الروحيّة.

بالنسبة للإنسان الذي وضع نصب عينيه أن يتقدّم، فإنّ عَجْزَ صديقه يشكّل فرصة كبرى لمزيد من الجهاد في طريق المحبّة. فرصة لكي يرى نفسه على حقيقتها في مرآة صديقه، أن ينحت شخصيّته من جديد على ضوء التواضع والمحبّة.

من يعرف نفسه على حقيقتها لا يكون عنيداً أو شرساً أو قاسياً أو عديم الرحمة تجاه الآخرين. عظمتك تُترجم بأن تقبل الآخرين كما هم، وتسندهم بمؤازرتك العطوفة لكي يغدو كما يجب أن يكونوا. إن لم تحبّ لا تستطيع أن تربّي أو تؤدّب، ولا أن تساعد، لا تستطيع أن تشارك وأن تنقذ. لماذا تتعجّب؟ ألاّ نطلب نحن الأمور نفسها من الآخرين؟

هكذا فقط تتولّد الصداقة الحقيقيّة التي تتحمّل الصعاب. وهكذا أيضاً تنشأ العلاقات العميقة التي لا تتأثّر بقساوة الظروف. إذن من الضروريّ أن نتعلّم درساً في المحبّة، تلك المحبّة المتفهّمة والباذلة والمتعاونة على مثال المعلّم الإلهيّ.

* عن مجلّة التكريس اليونانيّة

Leave a comment