القديس قسطنطين والمسيحية

القديس قسطنطين والمسيحية

دانيال لاريسون *

نقلها إلى العربية بتصرّف الأب أنطوان ملكي

 

تعليق: يرى البعض أن اعتناق (القديس) قسطنطين للمسيحية واعتمادها كدين للدولة كان خطيئة أصلية لم تتعافَ منها المسيحية بعد.

يستطيع البعض أن يظن ذلك من دون أن يكون لهذا أي أساس بالحقيقة. هذه قد تبدو نقطة جانبية، لكن سوء فهم علاقة (القديس)قسطنطين بالمسيحية شائع ومثير للرعب. بغض النظر عمّا يفكر المرء بالأسباب التي دفعت (القديس) قسطنطين لأن يكون أولاً نصيراً للمسيحية ومن ثمّ أن يتحوّل إليها، من المهم أن نفهم ما لم ينتج عن هذه النصرة وهذ الانخراط. قبل كل شيء، لم تصبح المسيحية دين الدولة في عهد (القديس) قسطنطين بل صارت الدين المفضّل للإمبراطور، وهذا عنى تحويل الثروة عن الوثنيين وتوجيهها إلى الكنيسة، أمّا الدين فلم يحقق أي وضعية مميزة أو أكثر رفعة حتى وقت طويل من بعدها.

إن تثبيت المسيحية (وشكل محدد منها في ذلك الوقت) على أنها دين الدولة الرسمي تمّ لاحقاً حوالي نهاية ذلك القرن، في عهد ثيوذوسيوس الأول، حيث لم يعد مسموحاً الانخراط العلني في الممارسات الدينية الوثنية. حتّى بعد ذلك، وخاصة في الإمبراطورية الشرقية، بقي القانون العلماني والقوانين حوالي نهاية ذلك القرن، في عهد ثيوذوسيوس الأول، إذ لم يعد  مميزة أو أكثر رفعة إلالكنسية منفصلين بعضهم عن بعض حتى وقت لاحق متقدم في التاريخ البيزنطي، وانخراط الإمبراطور في الكنيسة كان بالغالب محدوداً بالفصل في المجادلات العقائدية بين المسيحيين. لقد كان غير المسيحيين والهراطقة معابَين قانونياً بسبب معتقداتهم، لكن في أغلب الأحيان كانوا يُترَكون في سلام.

يطلق عدد غير قليل من المؤرّخين واللاهوتيين اسم “القسطنطينية Constantinianism ” على أمر لا علاقة له بقسطنطين (القديس)، ولا حتّى ببيزنطية ككلّ في وقت لاحق. هذا مماثل للمفهوم الأسطوري عن البابوية القيصرية، حيث صورة الكنيسة متشابكة مع الدولة الإمبراطورية ومُدارَةً منها. وهذه الصورة هي نتاج علم التاريخ الحديث في ردة فعله ضد علاقات الدولة بالكنيسة كما سادَت في الإصلاح وضد الإصلاح. إن ظاهرة كنائس الدولة، حيث تسود السلطة المدنية على الكنيسة بشكل مباشر، بدأت مع هنري الثامن وتكررت في أوروبا الشمالية. هذا الذوبان المحدد بين السياسة والدين كان ظاهرة حديثة بالتأكيد، ولا علاقة لها بما كان ممارساً في بيزنطية لغاية العصور الوسطى.

 

تعليق: في أيام (القديس) قسطنطين، وُضِعَت المسيحية على طريق التحوّل إلى دين الدولة.

هذا غير صحيح. إنّه من أسوأ أنواع التفسير التاريخي الإلغائي الذي عفا عنه الزمن. في أيام إمبراطوريته، رعا (القديس) قسطنطين واحداً من العبادات الدينية التي كانت مزدهرة في إمبراطوريته. أحد خلفائه تخلّى عن المسيحية وعزّز المذاهب الوثنية التقليدية. إن الانقطاع عن الممارسة الرومانية السابقة لم يكن على ذلك القدر من الحسم والأهمية الذي يفترضه الكثيرون. لقد أمّن للكنيسة حماية قانونية وأوقف لها أملاكاً مهمّة. لم تصِر الكنيسة “كياناً سياسياً ناشطاً”. في الشرق، ما يزال الكلام عن أنها صارت كياناً من هذا النوع، خلال غلبية الفترة البيزنطي، أمراً مختَلَفاً عليه. لقد اكتسب الاساقفة سلطة مدنية في المناطق التي كانت تنقصها السلطة الإمبراطورية وليس حيث كانت موجودة.

 

تعليق: قبل (القديس) قسطنطين، لم يكن رمز المسيحية الأساسي الصليب بل السمكة وغيرها من الرموز المحيية.

هذا كلام لا معنى له. لقد أدرج إفسابيوس صورة الصليب في سيرة (القديس) قسطنطين التي كتبها ليثبت اسم قسطنطين كمسيحي. لم يكن قسطنطين مَن جعل الصليب رمزاً أولياً للمسيحية. إلى هذا، بقيت القيامة الرمز المهيمن في المسيحية الشرقية قبل (القديس) قسطنطين وبعده. إن الاهتمام الاستثنائي بموت المسيح أمر تطوّر في أوروبا الغربية لأسباب مختلفة كلياً. ليس (القديس) قسطنطين مَن حوّل المسيحية إلى ديانة محارِبة. لم تركّز مسيحيته على العنف. بالواقع، تظهر قراءة رسائله خلال المنازعات الدوناتية والأريوسية أنّه شدّد على أهمية التوافق والسلام كمُثُل وأهداف. وفي عهده كان مطلوباً من الجنود الامتناع عن المناولة لثلاثة أعوام إذا كانوا قد أهرقوا دماً في الحروب، وقد بقي هذا القانون قائماً لعشرات السنوات من بعده.

ختاماً، إن أغلب الأمور التي تُطرَح عند قدمي (القديس) قسطنطين قد أتت بعد قرون أو عشرات من السنين بعده ولا علاقة لها بأي شيء من سيرته.

*Daniel Larison   February 1st, 2010  The American Conservative

دانيال لاريسون هو خريج جامعة شيكاغو حيث أطروحته في الكتوراه كانت حول المجمع المسكوني السادس والنزاع حول المشيئة الواحدة. تحوّل إلى الأرثوذكسية في العام 2003، وهو يخدم الآن كقارئ في إحدى الرعايا الروسية في شيكاغو. وهو مساهم في تحرير “المحافِظ الأميركي The American Conservative ” كما في غيرها من النشرات المسيحية في أميركا مثل The Week online, The Dallas Morning News, The New Pantagruel, and Takimag.com.

Leave a comment