الإيمان القويم

الإيمان القويم

القديس نقولاي فيليميروفتش

ترجَمته عن الفرنسيّة بتصرّف السيدة مايا اسطفان*

11-   لا تسأَل الإنسان المسيحيّ هَل يومنُ بالله، بل هل يؤمِن بالإنجيل، أي بالبشارَة، لأنّ مَن يؤكّد أنّهُ يؤمِنُ بالله وفقَ حُكمِهِ الخاصّ، لا وِفقَ الإنجيل، هو من أصحاب البِدَع الغامضة، ومن عابدي الأوثان، لأنّه يُقارِبُ الإيمان مقاربة فلاسفة الدِّيانات الشرقيّة وبلاد الإغريق منذُ ألفَي سنة. فلماذا إذًا نَزَل المسيح من السّماء؟ ولماذا خَتَمَ بدمِه اعتلانَهُ للعالم وبشارتَهُ؟ حقًّا إنّ مسيحيًّا كهذا يُلقي على رأسِهِ الدّم الطاهر لابن الله، على منوال الّذين صَرَخوا من قَبل: “اصلبْهُ، اصلبْهُ!”

12- الكنيسة الأرثوذكسيّة وحدَها في كنائس المسيح لم تنفكَّ منذ البدء تعترف بإيمانها بالإنجيل، من غير أن تنحَرِفَ لا يُمنَةً ولا يُسرة، وكذلك من دون أن ترتكزَ على سواها من الدّيانات والفلسفات الوثنيّة، والعلوم الطبيعيّة. لأنّه من السخافة والعَبَث أن نستدلّ طريقنا من أناسٍ حَسيري النَظر أو عُميان، فيما لنا دليلٌ مبصِرٌ وبًصير.

13- إنّ آباء الكنيسة ومعلّميها رفضوا بشدّة الفلسفات الإغريقيّة وأسرار الأديان الآسيويّة الشرقيّة، والأفريقيّة، بعدَ أن آمنوا ايمانًا كاملاً بالمسيح وببشارته. وهذا ينطبق أيضاً على الّذين تلقّنوا العلوم الفلسفيّة في أثينا، مثل يوحنا الذّهبيّ الفم، وباسيليوس الكبير، وغريغوريوس اللاهوتيّ، بالإضافة إلى الّذين نشأوا في مصر أو في الجزيرة العربيّة والبلاد المجاورة لها، أمثال أنطونيوس الكبير، ومكاريوس، واسحق و أفرام السُّريانيّين، وسواهم.

14- هؤلاء الآباء المتضلّعون من الفلسفات الوثنيّة وأسرار الديانات الأخرى هم بالضّبط أشرس المُدافعين عن الإيمان الخلاصيّ الوحيد بالانجيل، الإيمان ببشارة ابن الإنسان النّازل من السّماء، سيّما أنهّم عرفوا تلك المذاهب من مصدر مباشَر، وبلغتِها الأمّ. لم يقبَلوا بأيّة تسوية، ولا بأي تنازل حيال ما يَمُتُّ الى الأمور الأرضيّة الدّنيويّة، ولا إلى الانسان وفكر الإنسان، ولا إلى ما ينشأ أو يَظهرَ خارج المسيح والإنجيل…

16- هذا لم يَكُن شأنَ المعلّمين المنحرفين. فمن ضُعفِ إيمانهم بالإنجيل ومن خوفِهم العالَم، استعانوا بالفلسفة الهلّينيّة وأسرار الأديان الآسوية الشّرقيّة والإفريقيّة، كما بالعلوم الطّبيعيّة الشائعة في الغَرب، لكي يُبَرْهِنوا حقيقة اعتلان المسيح. هكذا ظهرت مدارس متنوّعة ومتعارضة… بَعضُها مستوحى من أفلاطون، وبعضها الآخر من أرسطو، ومدارس ثالثة مستوحاة من الفلاسفة الرّواقيّين، ورابعة من أفلوطين وخامسة من خرافات الدّيانات السرّيّة السوريّة والمصريّة والفارسيّة، ومدارس سادسة مستوحاة من التصوّف الهنديّ، ومختَلَف أشكال السّحر والتّنجيم. ولكن في الأزمنة الحديثة، ارتكزت هذه المدارس كُلِّيًّا على أُسُس العلوم الطبيعيّة، حاسبةً إيّاها أقلّ خُرافة من الدّيانات السرّيّة الشّرقيّة.

17- هكذا تمَّ استدعاء بعلزبول لدعم المسيح وأُدخِلَ عِلم الشّياطين على الفلسفة المسيحيّة في الغرب كركيزة وأساس لها! بنتيجة ذلك، صار المسيح يُخفَّضُ أكثَر كأكثر من حيث ألوهتُه، ويُمجَّد أكثر كإنسان، إلى أن عاد وانتصر هذا المُهلِك، أي آريوس، وغَلَبَ في خطابات الهراطقة المعاصرين.

18- ثُمَّ لا نظلمنَّ الشياطين. فهي نفسها أدركت وإعترفت أنّ في شخص المسيح كائنًا أسمى، كائنًا إلهيًّا سماويًّا، وذلك بشكل أفضل من عدد كبير من اللاهوتيّين المنحرفين عن الإيمان… تَرى، أما صَرَخَت الشّياطين: ” يا يسوع ابن الله العليّ؟” ألم تعترف قائلةً: ” نحن نعلم مَن أنت : قدّوسُ الله” ؟ وكذلك “أنت هو المسيح ابن الله “؟ أما جاء في الإنجيل أنّ “الأرواح النّجسة، عندما رَأتْهُ، ارتَمَتْ عند قدمَيه وصرخَت: “انتَ إبن الله” “أمّا المسيح فلم يَدَع الشياطين تتكلّم لأنّها عَرَفَتْهُ” (متى29:8، لو28:8 و 41:4، مر24:1 و 34:1، و11:3).

20- لماذا، يا تَرى، مَنَعَ المسيح الشّياطين عن تعريف البشر بأنّه المسيح، أي المَسِيّا ابن الله؟ لأنّ السيّد الحكيم المحبّ البشَر أبَى أن يَدَع الشّياطين تعلّم النّاس، ولم يشأُ أن تُعلِنَه الشّياطين للنّاس. لا، بل أراد أن يعرفَهُ النّاس، وأن يعترفوا به، من تلقاء ذواتهم، كمخلّص وإله من خلال كلامه، وأعمالِه ومحبّتِهِ، ونَفحَتِهِ، وروحه. فهكذا لن تتمكّن الشّياطين الخبيثة من التباهي بأنّها أسهمَت في عمل المسيح، ولا من التّصريح أنّ المسيح لم يستطِع أن ينير جنس البشَر ويخلّصَهُم.

22- في زمن أقرب إلينا، بدأت بعض الكنائس المنحرفة تبني دعامات للإنجيل من مادّة النّظريّات العلميّة. فتمَّ استنباط نظرّيات كثيرة على أساس أنّها حقائق مطلقة، رغمَ أنّ أبرز علماء عصرنا كفّوا حتى عن النّظر إلى العلوم الوضعيّة كحقائق مطلقة، ناهيكَ عن النّظريات العلميّة.

23- كما ألبسَ جنودُ بيلاطس المسيحَ رداءً أرجوانيًّا رخيص الثّمن، وكما وشّحه هيرودوس بثوب أبيض، هكذا ألبس اللاهوتيّون المنحرفون عن الإيمان المخلّص رداءً رخيصاً من الفلسفة الوثنيّة والعلوم الزّائفة. زعموا ان يزيّنوه هكذا و يلبسوه ثيابًا فُضلى. ولكنّ المسيح في الحالّتين تعرّض للسخريّة والإذلال.

24- وحدَها الكنيسة الأرثوذكسيّة في العالم حَفَظَت الإيمان بالإنجيل كحقيقة واحدة مطلقة، حقيقة لا تحتاج لأيّ دعم ولا معونة من أيّ فلسفة او علم ممّا في هذه الدُّنيا.

25- ثمّ إنّ اللاهوتيّين من المنحرفين عن الإيمان يطلقون على الكنيسة الارثوذكسيّة إسم “الكنيسة المتحجّرة” من باب الإهانة. و ما السّبب؟ السبب، كما يقولون، هو أنّ الكنيسة هذه “تجري بخلاف الزمن”، و “لا تواكب العصر”! ولكن هنا تمامًا تكمن قيمة الأرثوذكسيّة، في أنّها تجري بخلاف الزّمن، ولا تواكِبُ التطوُّر، وفق وصيّة بولس الرسول: ” لا تسيروا بحسب هذا الدّهر” ( أفسس 22:2)

26- ولكن كيف يُمكِن أن تَجرِي الأبديّة بمَجرى الزّمن؟ وكيف يواكِبُ المُطلَق الزّائلات؟ كيف يتماشى الملكوت السّماويّ مع الملكوت الأرضيّ؟ كيف يلتصق ما هو جزيل القيمة بِما لا قيمة لَهُ؟ “حتى لو كان العالم كلّه تحت سلطان الشرّير” (1يو 19:5)، كما هو مكتوب، فهل ندعَم الخير الأزليّ بالشرّ، أو هل نزيد بريق النّور السماويّ بدُخان حريق الفحم وبزيت النّفط؟

27- طبعًا لا تخلو حتى الكنيسة الأرثوذكسيّة من لاهوتيّين اتّبعوا خُطى الانحراف، وظنّوا أنّ الانجيل ليس على القوّة الكافية ليَثبُتْ من ذاته ويواجه هياج الرياح العالميّة. لذا سيطرت عليهم أفكار المنحرفين عن الإيمان وأساليبُهم…

28- الكنيسة الأرثوذكسيّة كجسد واحد ترفض هؤلاء… ولا تتبنّاهم. و لكنّها تتسامح وإيّاهم لسببين. أوّلاً بانتظار أن يتوبوا ويتغيّروا، وثانيًا لكي لا تُضاعِف الشرّ بفصلِهم عنها، فتتسبّب في سقوطِهم، ودفعِهم إلى حَظيرة الهراطقة…

29- لقد قال سيّدُنا له المجد: ” أنا لا أطلُبُ مجدًا من النّاس” ( يو41:5). أمّا اللاهوتيّون المنحرفون فموقفهم معاكسٌ تمامًا لموقف مخلّص العالم. إنّهم يطلبون مجدًا من الناس، ويخافون جانِبَهُم. لذلك يتمسّكون بأهداب المَدعووّين “مشاهير” في تاريخ الإنسانيّة، لكي يجدوا إثباتات لكلام الإنجيل، ويتملّقوا رجال الدّنيا أكثر فأكثر. ويبرّرون أنفسهم بالقول: “هكذا نودّ أن نَربَحَهم”. يا للضّلال! فبِقدرِ ما يَغرقون في إطراء العالم، بحجة أن يُقَرِّبوه من الكنيسة، بقدر ما يبتعد هذا العالم الّذي يَمدحونَه عن الكنيسة. وبقدر ما يزدادون من “العِلم” و” قلّة الروحانيّة” و”الحداثَة”، بقدر ما يزداد العالم احتقارًا لهم. والحقّ إنه يستحيل أن نوفّق بين العالَم والله. إلى ذلك، كلّ مسيحيّ يعلم بالخبرة أنّه قد يتوصّل إلى إرضاء الله، أقلَّهُ بالحقّ والعدالة، أمّا العالم، فلا يُمكن إرضاؤه لا بالحقّ، ولا بالكذب، لا بالعدل، ولا بالظّلم. لأنّ الله تعالى أزليٌّ لا يتغيّر، فيما العالم زمنيّ ومتقلّب.

30- لقد قال سيّدنا له المجد للعبرانيّين: “كيف تؤمنون وأنتم تطلبون مجدَ بعضكم بعضًا، والمجد الّذي من اللّه الواحد لا تطلبونه”؟ (يو44:5). هذا ينطبق تمامًا على اللاهوتيّين المنحرفين عن الإيمان… فلو طَلَبوا مجد الله لآمَنوا بالإنجيل، وما انحَرَفوا يمينًا ويسارًا. ولكنّهم رغبوا في مجد النّاس ونيل الثّناء منهم، ولذلك مالوا إلى إثبات شهادة الله وتأكيدها من خلال شهادات الناس … ذلك أنّ السَّعي لموافقة شهادات الناس كبرهان على شهادة الله، أي كبرهان بشريّ يثبت قول الله إنّما هو ضرب من الإهانة لله تعالى!

31- تُرى ما عواقب هذه التّنازلات للعالم الضالّ؟ إنها كارثة! حقًّا إنها كارثة بحقّ الإنجيل وبحقّ الحياة الفرديّة والإجتماعيّة… إنّها كارثة إيمانيّة، وثقافيّة، وإقتصاديّة، وسياسيّة، وخُلُقيّة، تطال أيضًا الحياة الزوجيّة. أجل، هي كارثة لنا جميعاً، ولكلّ شيء، لأنّ علاقتنا بالمسيح، وهو رسول البشارة بالخلاص، تحدّد علاقاتنا كلّها بالآخرين بدقّة الآلة الحاسبة.

32- لقد قال المسيح: “من دوني لا تستطيعون شيئًا” (يو5:15)، فيما العالم الضّالّ يعبّر بآلاف الطّرائق عن الفكرة التّالية: “من دون المسيح نستطيع كلّ شيء”. الثقافة العصريّة كلّها تَحَدٍّ للمسيح. العلوم الحديثة كلّها تتنافس في إسداءِ عِلْم المسيح الضّربة الأعنَف. إنّ ثورة علوم هذه الدُّنيا ضدَّ علم المسيح السّماويّ أشبَه بثورة الجواري السّفيهات ضدّ معلّمتهنّ. أمّا في أيّامنا، فتنتهي هذه الثورة بتحقيق ما هو مكتوب على أوضح ما يكون: “زعموا أنّهم حُكماء، فصاروا حَمقى” ( رو22:1).

33- لَعَمري، لم نَعُدْ نَعلَم أين تكمن الحماقة الكُبرى لهذا العالم المعاصر الّذي انفصَلَ عن المسيح: أفي الحياة الشخصيّة للفرد، أم ضمن الزّواج، أم في المدرسة، أم في الحياة السياسيّة، أم في النّظام الاقتصاديّ، أم في القوانين، أم في الحرب، أم في السِّلم. في كل مكان يظهر أنّنا وصلنا إلى أقصى تعبير عن هذين الأمرَين: الإبتذال، والوحشيّة. وكلما غاب المسيح، كلّما تضاعف الإبتذال والوحشيّة. كذبٌ وعُنفٌ في أَوج الظّفر.

36- لقد وجّه الّلاهوتيّون المنحرفون عن الإيمان الضربة الأقسى للإنجيل عندما شكّوا بألوهيّة المسيح. بعضهم شكّكّ بها وإكتفى، فيما بعضهم الآخر رفضها تماماً. هذا سرعان ما أَسفَر عن سلسلة من التنكُّرات للحقائق الروحيّة، كإنكار وجود الملائكة والشياطين، وإنكار وجود الفردوس والحجيم، وإنكار المجد الأبديّ للقدّيسين والصّدّيقين، وإنكار الصوم، وإنكار قوّة الصليب، وقيمة الصلاة وما إلى ذلك.

37- ورأس الكلام أنّ اللاهوتيّين في الغرب انصرفوا إلى تكييف الأمور وتوحيد المقاييس، سيّما في السنوات المئة والخمسين الأخيرة. لقد كيّفوا السماء بحسب الأرض، والمسيح مع سائر “مؤسِّسي الدّيانات” وبشارة الخلاص مع العبادات اليهوديّة والإسلاميّة والوثنيّة. هذا كلُّه تحت شعار “التّسامح” المزعوم، من أجل “مصلحة السّلام” بين الناس والأمم. ولكن هذا تمامًا ما خَلَّق وأطلقَ ثورات وحروب لا سابق لها، في تاريخ العالم. فإنّ الحقّ الأسمى لا يمكن أن يتكيّف مع الحقائق النّاقصة والأكاذيب.

38- إنّ المذهب الصّوفيّ الّذي يقول بأنّ الحقيقة منتشرة في الأديان كلّها، وسائر الفلسفات والدّيانات السّرِّيّة استقَرّت كذلك لدى اللاّهوتيّين المنحرفين عن الإيمان في الغرب. لذلك قالوا إنّ المسيحيّة تحوى بعض الحقيقة، كما في الإسلام، والهندوسيّة، والبوذيّة، أو عند أفلاطون وأريسطو أو في الزارادشتيّة أو تعاليم أهل الّتيبت وصلواتهم (التانتراوالمانترا). فلو كان الأمر حقاً على هذه الحال، لهامَ مركَبُ البشريّة هيامًا بلا رجاء على صفحة محيط الحياة القاتم، من دون قبطان ولا بوصلة.

39- فلماذا إذًا لفظَ المسيح هذا القول العجيب: ” أنا هو الحق”؟ (يو6:14) فهو لم يَقُلْ: ” أنا جزء من الحق” بل ” أنا هو الحق”. وقال أيضًا: ” أنا نور العالم” (يو12:8). هو إذًا الحقّ كلّه والنور كلّه. وبحسب كلامه أيضًا، هو الطريق الوحيدة إلى الحياة الأبديّة. وبحسب كلامه أيضًا، هو الوحيد الّذي عَرَفَ الله، وقد قال للعبرانيّين: “أنتم لا تعرفونه، أمّا أنا فأعرفه، ولو قلتُ إنّي لا أَعرفُه كنتُ مثلَكم كاذبًا” (يو 55:8). ألعلّ المسيح أخطأ أم خَدَعَنا ؟! ألا سامحنا الله على طرح مثل هذا السؤال!

41- إن الشعوب الأرثوذكسيّة تؤمن وتعترف بأنّ المسيح [يسوع]هو الماسيّا المنتظر وحدَه، مخلّص العالم وفادي جنس البشر، ومُجَدِّد الإنسان، وابن الله الّذي تجسّضد من مريم العذراء ومن الروح القدس، الإله من الإله، الحقّ الكامل، ينبوع الحياة، غالب الموت، مصدر القيامة، الطريق الحقيقيّة الوحيدة إلى الهدف الحقيقيّ، وديّان الأحياء والأموات.

*  من “الإيمان و الحياة بحسب الإنجيل، بشرى الخلاص في الكنيسة الأرثوذكسيّة، ( مقتطفات من”مئويّة ليوبوستينيا” Lioubostinia)” ترجَمته عن الفرنسيّة بتصرّف السيدة مايا اسطفان، مراجعة راهبات دير رقاد السيدة – كفتون، المصدر الأساسي:

«Centurie de Ljubostinia» in Vélimirovitch, St Nicolas. La foi et la vie selon l’Evangile. Editions l’Age d’Homme (10 mai 2007). Col.Grands Spirituels Orthodoxes du XXe siècle. Traduit du serbe par Zorica Torzic.

Leave a comment