نتواصل ولا نشترك

نتواصل ولا نشترك

الأب توماس فامفينيس

 

توجد في بعض الأحيان بعض الإشارات السياسية أو الاجتماعية في بعض نصوص الإدارة الكنسية،  ولكنها لا تأتي أبداً من دون التعديلات والتوضيحات الضرورية. هذا أمر يشير إلى مقاربة خارجية بعض الشيء للكنيسة، مقاربة غريبة عن محتوى الكنيسة. فالكنيسة ليست مؤسسة سياسية، ولا هي حزب سياسي ولا أي شكل من أشكال الاتحادات الثقافية أو الخيرية. لقد تأسست أسرارياً لا قانونياً. إنها كائن حي لا مؤسسة.

الكنيسة موجودة ككائن حي إلهي – بشري وهي منخرطة سياسياً في التاريخ البشري، لكن هدف سياستها هو الملكوت ولهذا نحن نقبل الرب يسوع كمخلّص (فيليبي 20:3).

إذاً، الكنيسة هي في العالم وفي الوقت نفسه خارجه. عليها ينطبق تعليم القديس يوحنا الذهبي الفم لرعاتها إذ يحضّهم على أن يكونوا في داخل مشاكل العالم وفي الوقت عينه فوقها، أن يحملوا هذه المشاكل مع الشعب، لكن أن يكونوا أحراراً من ضغينة هذا العالم المفسِدة.

إذاً، بالنسبة لجسد الكنيسة الحي ما من تكهّن حول انطواءات وانبساطات قد تشغل بال الأحزاب والاتحادات السياسية. تكمن المشكلة في أعضاء الكنيسة ورعاتها، أي في درجة كونهم أعضاء ناشطين أو محتَملين فيها. الكنيسة، في شخص قديسيها، لا مشكلة لديها في ما يتعلّق بعلاقاتها الجدلية مع الشعب، فهي تتعايش مع العالم وتخاطبه، لكنها لا تشترك معه في أعمال “الظلمة” غير المثمرة، بل على العكس إنها توبخها (أفسس 11:5).

إن وجود الكنيسة في العالم خلاصي وحاسم. إنها تخلّص وتقدّم النقد دون أن تنتقد بعنف.إنها تفصل بين الحق والبهتان، بين الحياة الحقيقية والزائفة. هي لا تعلن نقدها بكلمات لاذعة وخطابات عدائية، على الرغم من أن هذا الأسلوب ينفع أحياناً في تحريك الضمير النائم، بل هي تعلن نقدها بحضورها، بعمل الإيمان (2تسالونيكي 11:1) وبالإيمان العامل بالمحبة (غلاطية 6:5). إنها تشعّ بنور خيّر هو أيضاً مميّز لأفكار القلب ونيّاته (عبرانيين 12:4). لهذا السبب يبتعد عنها أولئك العالقون في أعمال الأذى.

الاحترام لا يعني القبول

ضمن هذا الجو الذي تكثر فيه الإعلانات عن المجتمعات المتعددة الثقافات، نحن مجبَرون على العيش مع شعوب مختلفة، وتقاليد مختلفة عنا، عائدة كلها أو بعضها إلى أديان أخرى. المحبة المسيحية، وليس شرعة حقوق الإنسان، ترغمنا على أن نكون منفتحين على الجميع، نحترمهم جميعاً ونَقبَلهم كصور لله. مع هذا، هذه المحبة نفسها، التي هي قوة طبيعية عند الإله الثالوثي، وليست مجرد شعور تافه أو إيديولوجيا، ترغمنا على عدم قبول أي هرطقة أو أديان مغرورة.

نحن نحترم كل ما يعتبرونه مقدساً عندهم، دون أن يعني هذا الاحترام أننا نتبنّى كل ما يرونه مقدساً. نحن نحترم اختلافهم الديني لكننا لا نبدّل إيماننا من أجلهم.

بشكل أساسي نحن نحترم حريتهم التي هي الجوهر الذي تُنتهك حرمته، فيما نتابع حياتنا لحقيقة إيماننا الخالصة بالكائن الإلهي البشري لكنيستنا.

Leave a comment