حول إنجيل أعياد السيدة

حول إنجيل أعياد السيدة

الأب أنطوان ملكي

في القراءة الإنجيلية لأعياد السيدة، ما عدا البشارة، مقطعان يشيران إلى أن معايير الرب مختلفة عن معايير البشر. الأول عندما تأففت مرتا قائلة للرب: “«يَارَبُّ، أَمَا تُبَالِي بِأَنَّ أُخْتِي قَدْ تَرَكَتْنِي أَخْدُمُ وَحْدِي؟ فَقُلْ لَهَا أَنْ تُعِينَنِي!» فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَها:«مَرْثَا، مَرْثَا، أَنْتِ تَهْتَمِّينَ وَتَضْطَرِبِينَ لأَجْلِ أُمُورٍ كَثِيرَةٍ، وَلكِنَّ الْحَاجَةَ إِلَى وَاحِدٍ. فَاخْتَارَتْ مَرْيَمُ النَّصِيبَ الصَّالِحَ الَّذِي لَنْ يُنْزَعَ مِنْهَا»”. والثاني في الختام: “وَفِيمَا هُوَ يَتَكَلَّمُ بِهذَا، رَفَعَتِ امْرَأَةٌ صَوْتَهَا مِنَ الْجَمْعِ وَقَالَتْ لَهُ: «طُوبَى لِلْبَطْنِ الَّذِي حَمَلَكَ وَالثَّدْيَيْنِ اللَّذَيْنِ رَضِعْتَهُمَا. أَمَّا هُوَ فَقَالَ:«بَلْ طُوبَى لِلَّذِينَ يَسْمَعُونَ كَلاَمَ اللهِ وَيَحْفَظُونَهُ»”.

المقطعان من إنجيل الرسول لوقا ولكنهما ليسا من نص واحد، لكن الكنيسة وجدت أن تقديمهما كنص واحد في أعياد السيدة فيه تعليم. فما الذي تريدنا الكنيسة أن نعرفه من هذا النص؟ كما ذكرنا أعلاه أن معايير الرب هي غير معاييرنا. في المقطع الأول نرى مرثا منشغلة جداً لكي تقوم بالواجب، بحسب تعبيرنا العامي. لقد شغلها اهتمامها بالواجب عن الشخص الذي هو سبب المناسبة، حتّى أنها لم تتردد في استغلال وجوده لتوجّه إلى أختها ملاحظة. لكن الرب كان واضحاً جداً بأنّ كل ما يشغلنا ليس حاجتنا الفعلية لأن الحاجة الوحيدة هي اكتساب كلمة الله والالتزام بها. هذا هو واجبنا بمنظار الله ونحن نقوم بهذا الواجب عندما نحققه. هذا درس يصعب على الإنسان المعاصر “الاجتماعي” أن يستوعبه وأن يحققه. فالواجبات صارت لها معاييرها التي تحكم علاقات البشر ببعضهم البعض وأحياناً بالله، بينما العكس هو ما يراه ويريده الرب.

أما المقطع الثاني فهو حول ردة فعل هذه المرأة العفوي ومناداتها بالتطويب للبطن الذي حمل يسوع. هذا الرد الفعل واقعي جداً في مجتمع يؤمن بأن الإنسان هو ما أخذ وورث عن أهله. مجتمعنا اليوم لا يختلف كثيراً عن مجتمع ذلك الزمان، فغالباً ما يتعاطى الناس ويحددون علاقاتهم بالآخرين على قياس ما ورث الآخرون. معيار الرب واضح: يحصل على التطويب الإنسان الذي يستوعب الكلمة ويلتزم بها.

إذاً، معيار الرب هو الالتصاق بكلمته. من هنا أن الكنيسة أرادت أن تقول لنا أن نصيبنا الصالح هو الرب نفسه وكلمته التي ينبغي بنا أن نلتصق بها، ومن دون الالتصاق بهذه الكلمة وإعطائها حقها لا ينفعنا محتد ولا أب ولا أم. ومهما كانت أعمالنا صالحة لا نستحق الطوبى إلا إذا عملنا بوصية الله.

إن والدة الإله مستحقة للطوبى بكل المعايير. فإذا كان الأمر هو أمر أعمال، فهي ولدت الإله. وإذا كان أمر حفظ الكلمة فيخبرنا الإنجيل بأنها هي التي ارتضت أن تكون أمة لله. وإذا كان أمر محتد وسلالة فهي ولدت الإله. لكن الأمر الأهم هو أنها حفظت كلمة الله وعملت بها بغض النظر عن مواقف الباقين.

Leave a comment