من وحي أحد الدينونة

من وحي أحد الدينونة

الأب أنطوان ملكي

 

في أحد الدينونة، أحد مرفع اللحم، فيما الناس يكونون مشغولين بالولائم وبالأكل لأنهم يودّعون أكل اللحم، يأتي الرسول بولس في القراءة من الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس ليقول لنا أن القضية ليست قضية أكل بل اهتمام بالأخ. والاهتمام ليس محصوراً بحاجاته المادية بل بالدرجة الأولى في عدم تعريضه للتجربة. على المسيحي أن لا يمتنع فقط عما يراه خطأ ولكن عن ما يجعل الآخر يتعثر، أي أن يهتم بأن لا يعثِر أحدًا لأنه مسؤول عن حياة الآخرين الروحية.

في الرسالة يحكي الرسول عن أكل اللحم المقدّم ضحايا للأوثان مشدداً على أن ضعيف الإيمان أو قليل المعرفة إذا رأى مَن يعتبرهم متقدمين عليه بالإيمان والمعرفة يأكلون يعثر إما لأنه لا يعود يحد مشكلة في أكل اللحم المقدّم للأوثان أو لأنه يقع في دينونتهم. أمّا اليوم فلم يعد هناك لحم مقدّم للأوثان، فما قيمة هذا الكلام؟ اليوم قيمة هذا الكلام مضاعفة. مَن من الناس لا يعثر عندما يرى الناس تنهش لحم بعضها البعض؟ هذا كلام قد يشمئز منه الكثيرون، وقد يسأل البعض: ما معنى هذا الكلام. ينهش واحدنا الآخر عندما لا يحبه أقلّه كَذاته. والمحبة ليست في الأقوال فقط، بل في الأفعال. كثيرون لا يحكون إلا عن المحبة ويتصرّفون بكياسة ما بعدها كياسة لكنّهم غير مستعدين للتخلي عن قشة حتى ولو كانت تنقذ غريقاً. ما معنى محبتهم؟ أين هم من قول الرسول: “إن كان أكل اللحم يعثر أخي فلا آكل إلى الأبد”. مَن منَا هو المستعدّ للتخلّي عن أكلة أو عادة أو هواية أو أي شيء حتى لا يعثِر الآخرين؟ مَن منّا مستعدّ للتكتم على خبر يعرفه أو معلومة وصلت إليه حتى لا يعثر سامعوها؟ الناس اليوم يتسابقون إلى كشف ما يعرفون حتى يُقال عنهم عالمين، حتّى ولو كانوا غير أكيدين منه أو أن ما سوف يكشفونه سيكون سبباً في ابتعاد الناس عن الله أو عن الكنيسة أو في جرح شخص هنا أو هناك. هذا هو نهش الإنسان لأخيه الإنسان: عندما يسابقه على لقمة أو وظيفة أو موقع أو لكسب ود زعيم أو حاكم أو غيره، عندما يتناوله بالسوء في غيابه، عندما يحسده أو يتمنّى له السوء. ينهش الإنسان لحم أخيه عندما لا يعود يرى فيه صورة الله، بل مجرد مصلحة أو سلعة. ينهش الناس بعضهم البعض عندما ينقسمون ويتحزّبون ويتقارعون بالتجريح والذمّ والضغينة. ينهش الناس بعضهم البعض عندما يدينون واحدهم الآخر لمجرّد أنه سمع عنه خبراً أو أصابه شكّ أو وجد في ذلك منفعة لذاته. ينهش الناس بعضهم البعض عندما لا تعود كلمة الحق قائمة بذاتها بل كل ما يُقال، بما فيه الكتاب المقدس والتقليد، يخضع للتأليب والتقييم وإعادة النظر. ينهش الناس بعضهم عندما ينهشون الكنيسة ويمزقون ثوبها بنشر التعاليم المنحرفة أو حتّى الأخبار والفضائح والشائعات.

حبّذا لو يفهم الكل أن الأكل الذي للبطن لا يقرّب من الله وحسب بل يضع الإنسان في دائرة خطر العثرة، فكيف الحال مع الأكل الروحي؟ على الأكيد أن هذا الأكل هو قياس يتّخذه ربنا للحكم على الناس. مَن أراد أن يكتسب مكاناً في السماء يكون دائماً حذراً ألا يقوم بما يعسر أخاه.

 

Leave a comment