التبالُه للمسيح – إعداد الأب أنطوان ملكي

التبالُه للمسيح

إعداد الأب أنطوان ملكي

 

التباله لغةً هو التصرّف وكأن الإنسان قد ضعف عقله وعجز رأيه. سبب الحديث عنه اليوم هو انتشار عدد من الكتب كيوحنا المجنون والأخت تارسو، والأفلام وأهمها الجزيرة (Ostrov). أمّا التبالُه من أجل المسيح فهو السلوك في حياة قائمة على التخلّي عن كل الممتلكات وعن كل اصطلاحات التصرّف الاجتماعي والتصرّف بشكل صدّام غير اعتيادي يتحدّى المعايير المقبولة. كما أنّ أغلب المتبالهين يملكون موهبة التنبوء والرؤى. أمّا هدف هذا السلوك فهو إخفاء القداسة
وقد يطرح البعض تساؤلات عديدة: هل التباله إنجيلي؟ أليس من طريقة أخرى أكثر عقلانية؟
نقرأ في إشعياء 2:20-3 أنّ النبي مشى عارياً وحافياً 3 سنوات ليعلّم الشعب، أمّا حزقيال (9:4-15) فأكل الخبز مخبوزاً على النجس ليصوّر لبني إسرائيل ما ينتظرهم، لكن الأنبياء في العهد القديم لم يُعتَبَروا متبالهين أو مجانين لأن كلّ شيء كان يتمّ بكلمة الرب
أما في العهد الجديد، فالبلاهة في يونانية الإنجيل هي مورييا (μωρία) ولها أكثر من معنى، كالحماقة. لكن في ترجماتنا العربية فالمعنى الأكثر انتشاراً هو الجهالة مع أنّ اليونانية لا تعني ذلك. الرسالة الأولى إلى كورنثوس هي الأغنى في التعبير فنجد في 3:18 “إن كان أحد يظن أنّه حكيم بينكم في هذا الدهر فليصِر جاهلاً (μωρός- fool) لكي يصير حكيما ً، وفي 10:4 “نحن جهال (بلهاء) من اجل المسيح وأما أنتم فحكماء في المسيح” وفي 3: 19 “لان حكمة هذا العالم هي جهالة (غباوة )” وفي 18:1 “فان كلمة الصليب عند الهالكين جهالة (حماقة) و أما عندنا نحن المخلصين فهي قوة الله”.
وفي الكنيسة، المتباله في اليونانية Σαλοσ (moros – salos)، وفي الروسية юродивый (yurodivy). يعرف السنكسار الروسي 36 متبالِهاً.
لم ينتشر الإسم (متباله) حتى القديس سمعان الحمصي (570) الذي يعتَبَر أبا المتبالهين، وهو قد تباله استناداً إلى الآية من كورنثوس الأولى 18:3. ويشكّل القديسان ثيوذولوس القبرصي وإيسيذورا المصرية صورتين من أقدم الأمثال عن متبالهين (369).
من أهم المتبالهين في الشرق القديس داود التسالونيكي الذي نسك على شجرة فصار يسمّى بذلك. وبعده يأتي القديس أندراوس القسطنطيني الذي عاش في القرن العاشر في القسطنطينية وكان أصله عبداً إسكيثياً.
انتشر التبالُه في روسيا بشكل أكبر من الشرق ومن بيزنطية، وتأثّر الروس بالمتبالهين كثيراً. أوّل المتبالهين هو القديس بروكوبيوس أوستيوغ الذي كان أصله ألمانياً ترهّب بعد أن وزّع كل شيء وانتقل إلى أوستيوغ وهناك تبالَه وأتى معجزات. من أشهر المتبالهين الروس القديس باسيليوس العجائبي (1557) الذي بنى له إيفان الرهيب كنيسة تضم رفاته. في وقت لاحق ظهرت القديسة كسانيا. وفي القرن العشرين ظهرت متبالهات دير ديفييفو، باراسكيفا وماريا وبلاجيا وهنّ من تلميذات القديس سارافيم ساروفسكي.
من المتبالهين المعاصرين في اليونان مَن صارت سيرهم معروفة كيوحنا المجنون والأخت تارسو وستيلاّ ميتساكيذو والأب فوتيوس لافريوتيس (بابافوتيس) والأم صوفيا.
أمّأ وجود المتبالهين في أدب الأرثوذكسيين فيُلاحَظ خاصةّ عند فيودور دوستويفسكي حيث نجد الأب فارابون في ”الإخوة كارامازوف“، والأمير ميشكين في ”الأبله“. كما نجد غريشا عند ليو تولستوي ”الطفولة، الصبا، والشباب“. وختام كل هذه فيلم الجزيرة الذي تُرجم في السنوات الأخيرة إلى ما يزيد عن العشرين لغة.
ختاماً، هل التبالُه للجميع؟ هل هو صفة تُكتَسَب؟ الحقيقة هي أنّ التباله موهبة يمنحها الله ولمعرفتها لا بدّ من التمييز خاصةً في تحديد المواهب كي لا نقع في النظرة الكاريزماتيكية، التي تفكّ رباط المواهب عن الواهب. التباله، كمثل كل أشكال الحديث التي يختارها الله ليكلّم شعبه، وهو يقرر أين ومَن وكيف يحمله. المهمّ أن لا نسلك أرضياً إذا سمح الله لنا والتقينا بمَن منّ عليهم بهذه الموهبة.

Leave a comment