كنْ كالأتان! – الخورية سميرة عوض ملكي

كنْ كالأتان!

الخورية سميرة عوض ملكي

 

إن دخول السيد المسيح إلى أورشليم، كمثل كلّ الأحداث السيديّة، تنبأ به الأنبياء في العهد القديم. فالنبي يعقوب تنبأ مشيراً إلى ابنه يهوذا الذي منه انحدر المسيح قائلاً: “رَابِطًا بِالْكَرْمَةِ جَحْشَهُ، وَبِالْجَفْنَةِ ابْنَ أَتَانِهِ، غَسَلَ بِالْخَمْرِ لِبَاسَهُ، وَبِدَمِ الْعِنَبِ ثَوْبَهُ” (تكوين 11:49). وأيضاً تنبأ النبي زخريا عن هذا الأمر: “اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ، اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ” (10:9). وكما العهد القديم كذلك العهد الجديد، فالإنجيليون الأربعة كلّهم تحدّثوا عن هذا الحدث وإن كان باختلاف طفيف.
هنا قد يتساءل البعض: لماذا دخل يسوع إلى أورشليم راكباً على جحش، وهو ملك إسرائيل الجديدة؟ لماذا لم يدخل إليها دخول الملوك المصحوبين بالرايات المطعّمة بالذهب وبالحراس المسلّحين بالتروس والحراب والنبال؟
الجواب، بحسب القديس غريغوريوس بالاماس، هو أنّ راية المسيح هي التواضع والفقر والضعف. وهذا الاتضاع ليس فضيلة اصطناعية خارجية، بل هو تعبير عن محبة المسيح وبساطته. إن ذاك البسيط بالطبيعة كان محباً ومتواضعاً في الوقت نفسه، لهذا، فإن قوة المسيح غير المخلوقة هي تواضعه مدموجاً مع بساطته ومحبته. إنّ هذه القوة تأتي من الطبيعة البسيطة للألوهية.
إنّ مَن يتأمّل في حدث دخول السيّد إلى أورشليم يجد نفسه أمام سيل من المواضيع والتفاسير، ومنها تفسير الآباء للتشابه بين الأتان والنفس البشرية. “اِذْهَبَا إِلَى الْقَرْيَةِ الَّتِي أَمَامَكُمَا، فَلِلْوَقْتِ تَجِدَانِ أَتَانًا مَرْبُوطَةً وَجَحْشًا مَعَهَا” (متى 1:21). يقول القديس باسيليوس أن القرية “التي أمامكما” هي العالم الأرضي، لأن الحياة السماوية هي مدينة، هي الفردوس الذي منه سقط آدم بالخطيئة. لا أحد غير المسيح يستطيع أن يقودنا إلى هذا المكان الذي منه طُرِدنا. أمّا الجحش والأتان فهما كلّ البشرية. وهكذا يكون كلٌ منّا مثل الأتان المقيّد برباطات الخطيئة، لأن الذي يبتعد عن المسيح يصير متوحّشاً كالحيوان، لكونه يصير مُلْكاً للأهواء غير العاقلة، ويصبح مربوطاً بحبّ المال، والدعارة، والشراب، والظلم، والحسد، والحقد، والكبرياء وما إليه من الأهواء. لهذا السبب، كلّنا نحتاج الشفاء بالمسيح المخلّص ونحتاج لأن يرسل تلاميذه إلينا ويحلّونا من رباطات الشيطان. يتحدّث النبي داود عن هذه الحالة فيتوجّه إلى الله قائلاً: “صِرْتُ كَبَهِيمٍ عِنْدَكَ. وَلكِنِّي دَائِمًا مَعَكَ. أَمْسَكْتَ بِيَدِي الْيُمْنَى. بِرَأْيِكَ تَهْدِينِي، وَبَعْدُ إِلَى مَجْدٍ تَأْخُذُنِي” (مزامير 22:72-24). هذا المجد منحنا إياه المسيح بآلامه وبتواضعه اللامتناهي. لذا، فلنتواضعْ مثله ونكُن كالأتان ببساطة الفكر والإرادة. فالأتان، سار مع التلاميذ مطأطأ الرأس بلا مقاومة. فلنكن مثله مطيعين للذين يعلّموننا اقتبال وداعة المسيح بلا مقاومة محلولين أو متحررين من لذّات الجسد، دائسين على الانتفاخ الفارغ والمجد الباطل، وبهذا نصير مركبة تحمل عرش الشاروبيم ونصرخ بفرح الأطفال قائلين: “أوصنّا في الأعالي مبارك الآتي باسم الرب”.

Leave a comment