عِظَةْ عنْ الصلاة – أَنطوني بلوُمْ مطران سيروجسكيّ (أوروبا الغربية)*

عِظَةْ عنْ الصلاة

أَنطوني بلوُمْ مطران سيروجسكيّ (أوروبا الغربية)*

 

غالبًا ما يسألني الناس عن كيفيّة تخطِّي الصراع الناتج فينا من قراءتنا للصلوات التي كتبها القديسون والمعبِّرة عن تجربتهم الحياتيّة الخاصة.

لقد مرَّت أيامٌ عندما كنت أنا نفسي أقرأ بكلّ أمانة جميع الصلوات التي تقدِّمها الكنيسة لنا في الصباح والمساء وفي كل مناسبة أُخرى. ولكني لم أُفلح دومًا في الإحساس أنَّ هذه الصلوات تخصُّني. لقد كانت هذه الصلوات غريبة عني، انا لم اصِل إلى هذه الدرجة من الإيمان أو إلى هذا المقياس من المحبَّة اللذين تتكلم هذه الصلوات عنهما. كنت أقرأ بعض المقاطع من هذه الصلوات بكل صدق، ولكنَّ البعض الآخر لم أقدر على التلفُّظ به، ربما لأنها كانت، ولو جزئيًّا، تتعارض مع تجربتي وإحساسي، وربما لأني لم اصل بعد إلى هذه الدرجة من الإيمان والخبرة الروحيّة.

أرشدني أبي الروحيّ إلى طريقة لمعالجة هذا الأمر.  قال لي: ” أمنعك، لمدّة عام، من استعمال أيّ من الصلوات الموجودة في كتب الصلاة. أرسم إشارة الصليب، قبل ذهابك للنوم، ثمَّ تمدّد على سريرك وقُل “أيها الربّ، بصلوات الذين يحبونني، خلِّصني”، ثم إبدأ بمسائلة نفسك، من هم هؤلاء الذين يحبونك؟ من هو الذي يحبك بهذا القدر والعمق والصدق، حتى لا تحتاج لأن تصلي، لأنّ صلواته تُظلِّلك؟

جربتُها! وتوالت الأسماء، إسمًا بعد الآخر بدأت تحوم في مُخيِّلتي، وفي كل مرّة كنت أتوقف للحظة وأقول: “يا للروعة! إنَّه يحبّني، إنَّها تُحبُّني! آه يا إلهي، باركه، باركها، من أجل الحبّ المُعطى لي هديّة”. ومن ثمَّ أتاني اسمٌ، واسم آخر أيضًا، وأسماء كثيرة خطرت على بالي: أُناس كنتُ قد نسيتهم، أُناس دعموني بحبِّهم وحملوني. إنَّه لشعورٌ رائعٌ حقًا أن تكون محبوبًا. فكَّرتُ أولاً بالأقرباء والأعزاء: أبي وأمي وجدتي وأصدقائي. من ثمَّ توالت أسماء لم أتوقع تذكُّرها: أُناس التقيتهم منذ زمن طويل ونسيتهم ولكنهم ظلّوا أصدقاء أوفياء. وثمَّ تذكَّرتُ ملاكيَ الحارس. تذكَّرتُ المسيح، الذي أحبَّني لدرجة أنَّه مات من أجلي. تذكَّرتُ والدة الإله. تذكَّرتُ أبانا السماويّ، وفجأة أصبح كل العالم رائعًا لأنه أضحى عالمًا وبحرًا من الحبّ يحملني كسفينة صغيرة.

لقد تعلمتُ شيئًا هامًا من هذا، وأتمنى أنّ تجرِّبوا أنتم أيضًا وتتعلموا. ولكن للأمر جانب آخر، لم أكن وحدي أنا بحاجة إلى محبَّة وصلوات الآخرين. آخرون كانوا همّ أيضًا بحاجة إليها. فبدأتُ أسأل نفسي: هل هناك أحدٌ أُحبُّه أنا، بحيث إنَّه يقدر أن يقول مثلي وبنفس الكلمات: “بصلوات الذين يُحبوني، خلصني يا ربّ”؟ وأتت الأسماء، أتت وجوه لأناس أحببتهم وكنت أكنّ لهم عظيم المحبَّة، ومن ثمّ لأشخاص لم أكترث أو أهتمّ لهم. ففكَّرتُ: إنَّ هذا لرهيبٌ حقًا! قد يحتاجون إلى محبة إنسانٍ واحدٍ، ولكنني لست هذا الإنسان. فاتَّجهتُ إلى الله قائلاً: “يا ربّ، أنا لا أعلم كيف أُحبّ هذا الشخص. ولكنك أنت مُتَّ من أجله، من أجلها، كما انك مُتَّ من أجلي أنا. يا ربّ، بارك هذا الشخص وخلِّصه وقُده وكُنْ طريقًا وبابًا ينفتح إلى الأبديّة من أجله!”.

عندئذ يصبح العالم رحبًا وعميقًا وجميلاً للغاية. يصبح عالـمًا نَخلُصُ فيه كلنا بواسطة حبِّنا بعضنا لبعض وبمحبّة الله لنا.

فكِّروا في هذا الأمر!

* ولد أنطوني بلوم في التاسع عشر من حزيران عام 1914 وقضى طفولته في إيران حيث شغل والده منصب القنصل الروسيّ هناك.

في العام 1923، بعد مدّة من التجوال في أوروبا، استقرَّت عائلته في باريس حيث أنهى دراسة علم الأحياء والطب.

في العام 1939، وقبل الذهاب الى الحرب بصفة جرَّاح في الجيش الفرنسي، دخل سرًا الدير ونذر نفسه للرهبنة. اتَّخذ اسم أنطوني لدى لبسه الإسكيم الرهبانيّ في العام 1943.

خلال سنوات الاحتلال الألمانيّ، خدم أنطوني بصفة طبيب في صفوف المقاومة الوطنيّة المناهضة للفاشيّة.

سيمَ أسقفًا على سيروجسكيّ (سوروز Sourozh) في العام 1957، ومُمثلاً بطريركيًّا للكنيسة الروسيّة في أوروبا الغربية بين الأعوام 1966-1974.

إعداد الأب سمعان أبو حيدر

Leave a comment