يهوذا أم بطرس أم يوحنا – الشماس تيودور الغندور

يهوذا أم بطرس أم يوحنا

الشماس تيودور الغندور

 

في فترة الصوم الأربعيني المقدس، نقع كثيرًا على موضوع الخطيئة والتوبة وتضع أمامنا الكنيسة المقدّسة العديد من القديسين كأمثلة عن التوبة كالقديسة مريم المصرية. وأما في الأسبوع العظيم المقدّس فيمكن أن نتوقف عند ثلاثة مواقف مختلفة لثلاثة تلاميذ للمسيح وهم يهوذا، بطرس، ويوحنا. هؤلاء كانوا قد رافقوا المعلّم وعاشوا معه وعاينوا معجزاته وأعماله وسمعوا كلامه وبهتوا من تعاليمه وها هم في الأسبوع الأخير لحياة الرب على الأرض وقبل الصلب والموت والقبر والقيامة، نرى كلاً منهم يختار موقفًا مختلفًا عن مواقف الإثنين الآخرين.
فيهوذا مثلاً، حارس الخزنة وأمين الصندوق، أغوته الفضة والطمع بالمال فخان السيد وأسلمه الى أيدي الأثمة بثلاثين من الفضة. وما أفظع هذا العمل الذي يوازي رفض النعمة التي منحه إياها الرب يسوع أسوة بباقي التلاميذ. هذا الذي استخدم وسائل التعبير عن الحب ليدلّ الأثمة والكفرة على السيد. لقد خان السيد وخان الحب الذي ما مِن حبٍ أعظم منه بسلاح الحب نفسه. لقد ألقى التحية قائلاً :”السلام يا سيدي” (مت 49:26)، ناداه سيدي فيما كان المال سيد حياته وهاجسه الأول. يهوذا رغم معرفته بخطيئته لم يكن على علم برحمة الرب الواسعة فأدى به اليأس الى شنق نفسه فخسر الأرض والسماء معًا.
أما بطرس، التلميذ المندفع، المثابر على الخدمة بحماسة منظورة، والذي كان له شرف معاينة تجلّي الرب على الجبل مع يعقوب ويوحنا، والذي أجاب المعلّم عندما قال له أنه سينكره ثلاث مرات قبل صياح الديك مؤكدًا : :”وَلَوِ اضْطُرِرْتُ أَنْ أَمُوتَ مَعَكَ لاَ أُنْكِرُكَ” (مت 33:26)، فقد أنكره وعندما وقعت عيناه في عيني الرب تذكّر كلامه وبكى بكاءً مرًا، بكاء ندم وحسرة وتوبة. ألم يكن هذا التلميذ نفسه الذي جاهر معلنًا حقيقة أن المعلّم هو المسيح ابن الله الحي (مت16:16) ؟ ولكن بطرس عرف خطيئته وندم واستطاع أن يستشف الرحمة والمغفرة من عيني الرب عندما التفت ونظر الرب اليه وعاد ذاك المخلص الأمين، أحد أعمدة الكنيسة العظام.
وبما يختص بيوحنا، ذاك الملقّب بالحبيب والذي يعتقد البعض أن المسيح أحبه أكثر من باقي الرسل ولكن الحق يُقال أنه الحبيب لأنه أحبّ المسيح أكثر من باقي الرسل، فهو الوحيد الذي بقي معه ورافقه حتى أقدام الصليب. لم يخف من قيافا، رئيس الكهنة، الذي كان يعرفه وبقي مع الرب مرافقًا خطواته من الإستجواب الى المحاكمة وحتى أقدام الصليب حيث كان واقفًا وحده بجانب أم الإله وباقي المريمات. وهذا ما جعل الرب يسوع يوكل أمر أمه للتلميذ الحبيب فجعلها أمه وجعله ابنها (26:19-27) وجعلها أمًا للبشرية جمعاء. وكأن بالرب يسوع يود الإشارة أن هكذا تلميذ يستحق أن يكون أخًا له وابنًا للعذراء مريم وأكثر من ذلك ابنًا لله، فقد تبنانا الله بابنه الحبيب.
ونحن اليوم إذا ما تأملنا في حياتنا، ألا نجد فيها يهوذا وبطرس ويوحنا؟ كم من المرات أصرينا أن نكون يوحنا فحاولنا البقاء مع الرب وتطبيق وصاياه وجعلها دستورًا لحياتنا، ولكن أمام ضغط الناس واتهام الحضارة لنا بالرجعية تراجعنا عن خيارنا وتنازلنا لنصبح بطرس الذي يعرف خطيئته لكنه يبكيها بكاءً مؤقتًا، لأنه اعتاد البكاء حتى أن البعض منّا اعتاد نظرة السيد المعاتبة فلم تعدّ تثير فيه حماسة للتوبة والتحوّل. وكم هناك مِن يهوذا في مجتماعاتنا أصبحت الخيانة صفة ملاصقة لهم ولا نستغرب أبدًا على مَن اعتاد الخيانة أن يخون نفسه يومًا فيُضطرها الى مفارقة جسده ويرميها في نار جهنم فتحترق بنار العذابات التي سببتها لكثيرين. والآن لنا أن نختار مَن نكون يهوذا أم بطرس، أم يوحنا؟.

Leave a comment