الآباء القديسون

الميتروبوليت ييروثيوس فلاخوس

يشير الآباء القديسون إلى الأرثوذكسية كنظام علاجي ويصفونه. لقد جاهدوا للحفاظ على الإيمان لكي يحافظوا على منهج العلاج هذا، الذي هو المنهج الذي يحقق به الإنسان الشركة مع الله. وفي رأيي الشخصي، تكمن هنا القيمة الحقيقية للأدب الآبائي.

         كان الشعار السائد من عدة سنوات مضت هو “العودة إلى الآباء!”. لأننا فشلنا بمنطقنا البشري الخاص، أدركنا أنه ينبغي علينا أن نعود للآباء القديسين. إلا أنه مؤخراً وجدت تحفظات على هذا التوجه بحجة أنه قد يمثل نوعاً من العودة للماضي، وهكذا تم وضع شعار آخر وهو: “إلى الأمام مع الآباء!”. مع ذلك، حتى هذا الشعار لا ينقل بصورة مطلقة حقيقة الكنيسة. شعار “عودة إلى الآباء” غير صحيح لأن الآباء هم أبناء الكنيسة الذين وصلوا للاستنارة والاتحاد بالله، وبالتالي كانوا قادرين على تجسيد خبرة الكنيسة. تلد الكنيسة الآباء وتجعلهم على ما هم عليه؛ وليس الآباء هم الذين يصنعون الكنيسة. يوجد أناس اليوم وصلوا للاستنارة والاتحاد بالله ويستطيعون التكلم عن مسائل تخص معاصرينا. كل حقبة آبائية هي حقبة للكنيسة؛ أو بتعبير أدق، هي تمثل حياة الكنيسة. أما بالنسبة لشعار:”إلى الأمام مع الآباء!” فهو ربما يشير لكبرياء الإنسان وخطورة تفسير الآباء بواسطة معلقين ضالين يختزلون لاهوت الآباء وحياتهم إلى تأمل عقلي وارتجال. خطة العمل السليمة هي طاعة الآباء المتحدين بالله العائشين اليوم، الذين هم حاملون حقيقيون لحقيقة الإعلان المحفوظ في الكنيسة.

         مع الأسف، نشهد في هذه الأيام تحول الأرثوذكسية إلى نظريات. فالحقائق الهامة عن الحياة تحولت إلى مجرد أفكار بين أفكار أخرى كثيرة، وتُقَدَم المسيحية كفشل غير فعال وضعيف جداً لكي يستجيب لمتطلبات عصرنا. يمقت العامة من الأرثوذكس، الذين يتلقون الأمور بطريقة أرثوذكسية، هذه المحاولة لاختزال الأرثوذكسية إلى نظريات غير مرتبطة بالحياة.

         لا يرى العديد من الناس الآباء كأناس أحياء ولكن كمعروضات في متحف، لدرجة أنهم يدرسون الآباء ويقتربون منهم بطريقة عاطفية أو عقلية. حتى أولئك الذين لهم ذهن وطريقة حياة غربية مازالوا يدرسون الآباء. إلا أنه كما أكد المسيح: “لا يجعلون خمراً جديدة في زقاق عتيقة … بل يجعلون خمراً جديدة في زقاق جديدة”(مت17:9). ينبغي على طريقة تفكير المرء أن تتغير تماماً لو أراد أن يتذوق خمر المسيحية الجديد. هذا التغيير يسمى توبة. لا يستطيع من له ذهن منطقي أو توجه عاطفي، الذي أعماله غير أرثوذكسية، أو ممارساته مضادة للكنيسة أن يحصل على “روح” الآباء القديسين. تطهرنا التوبة العميقة غير السطحية من كل شيء عتيق، وتنقذنا من فساد الحياة الساقطة، ومن كل ضلالات الإنسانية الساقطة.

         ينبغي علينا أن ننظر للكتابات الآبائية وللعهد الجديد على أنها نصوص علاجية تشفي الناس. ولكن لننظر لها أيضاً على أنها ثمرة للشفاء، وليس كفرصة لإعطاء انطباع لاستثمار أحدث صيحة وتوجه. سوف يجعلنا تحولنا داخل الكنيسة الأرثوذكسية أرثوذكسيين في كل من الإيمان والحياة. إنه سوف يشفينا بحيث نصبح قادرين على تقديم عبادة حقيقية لله.