الفيلسوف القلق

إعداد راهبات دير القدّيس يعقوب الفارسي المقطّع

لا تهتمّوا للغد،  لأنّ الغد يهتمّ بما لنفسه يكفي اليوم شرّهُ”(متّى 34:6)

اعتاد أحد الفلاسفة أن يُسافر كثيرًا للبحث عن الحكمة والفلسفة. وفي أحد الأيّام، وبعد أن قضى النهار كلّه في المناقشات الفلسفيّة، دخل ليبيت مع تلميذه.

وبعد دخولهم غرفة النوم بدقائق استغرق التلميذ في نوم عميق، وأمّا الفيلسوف، فرغم إرهاقه الشديد لم يستطع أن ينام، وكان ينظر إلى تلميذه فيجده مُستمتعًا بنوم عميق. فاغتاظ جدًّا لعجزه عن النوم، وفي النهاية أيقظ تلميذه وسأله:

– كيف استغرقت بسرعة في نوم عميق، فيما أنا عاجز، تمامًا، عن النوم؟

كان التلميذ يعرف أنّ الفيلسوف لا يهدأ عن التفكير في كلّ شيء وما هي أسبابه ونتائجه، وكيف سيحلّ المشكلة الفلاّنيّة، وكيف سيواجه الفيلسوف الفلانيّ في الموضوع الذي كانا يتحاوران بشأنه، وكيف… وكيف… أيّ إنّه لا يهدأ عن التفكير، ولذا عجز عن النوم، فسأله:

– هل كان الله يدير الكون قبل أن تولد؟

– نعم.

– وهل سيُدبّر الله الكون بعد أن تموت؟

– نعم.

– إذًا، دعه يُدبّر، أيضًا، هذه الليلة.

– ولكنّي لا أستطيع، إذ ماذا…

– فقاطعه التلميذ قائلاً: ماذا وماذا وماذا، وماذا تستطيع أن تفعل إذا متّ في هذه الليلة. دع الله يدبّر أمورك كلّها ونمْ أنت بهدوء، فتفكيرك لا يجدي نفعًا إذا لم يُرد الله أن يبقيك إلى الصباح.

فوافق الفيلسوف، وحينئذ نام بهدوء.

أحبّاءنا، العقل هبة من الله يستخدمها الإنسان فيما يفيده، فيدرك به أعمال الله وعنايته للبشر، وبه، أيضًا، يسعى لراحة الآخرين وإسعادهم. هذا كلّه يحدث إن كان العقل خاضعًا للروح القدس الساكن فيه.

ولكن إن ازداد سُلطان العقل عليك يمكن أن يُقلقك، وبدلاً من أن تستخدمه يستخدمك، فيثير الاضطرابات داخل نفسك. ومع أنّك إنسان محدود، ولكنّك تودّ أن تعرف كلّ شيء بعقلك، وهنا يظهر عجزك وضعفك. أمّا النشاط العقليّ الزائد، فيؤدّي إلى تذمّرك على الله وضيقك من الناس.

ليتك تتّكل على الله في أمورك كلّها، واثقًا من محبّته ورعايته لك، فتعمل ما تستطيعه من دون إهمال أو كسل، وتترك الباقي بإيمان في يده.

إيّــــــاك

إيّاك أن تنظر باحتقار لإنسان يشكو من عاهة جسديّة: نظره ضعيف أو مشلول أو بيد واحدة أو برِجل واحدة… على العكس، يجب أن تقدّم له المعونة كابن صالح للربّ يسوع، ولأنّه هو أحد أعضاء جسد المسيح الذي تشاركه أنت الدمَ والجسدَ الإلهيّين.

               إن صادفت أعمى يعبر الشارع، حاول أن تساعده، إن تعرّض لخطر السيّارات أو لأيّة مساعدة يحتاج إليها.

               كن مثل ربّنا الذي كان يصنع الخير مع الجميع من دون تمييز، وشجّع رفاقك وإخوتك، أيضًا، على عمل الخير لكي تسود المحبّة والسلام، لأنّ إلهنا إله المحبّة والسلام.

               إيّاك أن تفتخر بأنّك صنعت خيرًا، وإلاّ فأجرك ضاع، بل قل الربّ الإله هو الذي شدّدني لأقوم بهذا الخير أي هو الذي يعمل فيّ.

Published
Categorized as قصة