عنب المحبة

عنب المحبة

عن اليرونديكون الصغير

تعريب الأرشمندريت أفرام كرياكوس


حوالي عام 330 للميلاد استقرّ القدّيس مكاريوس المصري في الإسقيط. شيئاً فشيئاً، جمع القدّيس حوله آلاف الرهبان الذين كانوا يتقبّلون نصائحه وأقواله كمرشد روحي لهم. كما أن كثيرين من العلمانيين من مصر كلّها كانوا يأتون إلى قدّيس الله لينالوا شيئاً من ثمار محبّته. كان صيته قد ذاع في كلّ البلد. في أحد الأيام، أتى بعض الحجّاج إلى القرية الرهبانية ليروا الأنبا مكاريوس. كانوا قد أحضروا له سلة مليئة من عناقيد العنب من المدينة. جلسوابقربه وقتاً طويلاً وسمعوا نصائحه القيّمة ومن ثمّ انطلقوا إلى المدينة وهم منتفعون روحياً.

– “هذه لك يا أبانا”. هذا ما قالوه له وهم ذاهبون “نحن نعلم أنك تحب العنب كثيراً نرجوك أن تتقبلها منّا”.

أما الأنبا مكاريوس فقد شكر الحجّاج الزائرين وودّعهم بابتسامة. إذاً، كان في وسط الكوخ الصغير سلّة مملوءة من العنب الطيّب الطازج الشهيّ.  كانت العطيّة نادرة لأن المكان الذي كان يعيش فيه لم يكن فيه مثل هذهالتعزيات. بالتأكيد ستكون حلوة جداً. هذا ما فكّر به الأنبا. ثم تظاهر بأنه يتذوّقها. لكنه ما لبث أن انحنى وتطلّع من شبّاك كوخه الصغير وقارن نفسه مع بقيّة النسّاك فشعر بتأنيب الضمير.

– “ليس من السليم أن أحتفظ بها أنا. هناك آباء آخرون لم يسبق لهم أن تذوّقوا عنباً. سآخذها إلى الأنبا بطرس إنه شيخ وسوف يُسرّ بها كثيراً”.

فتناولها وبهدوء ذهب بها إلى الأنبا بطرس الذي كان بالفعل أكبر الشيوخ سنّاً في الاسقيط.

– “كيف حالك أيها الأب؟ لقد أحضروا لي هذا العنبَ وفكّرت أنها ستعجبك كثيراً. إعمل معي محبّة واقبلها منيّ”. هذا ما قاله الأنبا مكاريوس بكل طيبة خاطر.

– “أشكرك يا أبانا، باركك الله”، أجابه الشيخ. هكذا مضى الأنبا مكاريوس في طريقه وعاد إلى كوخه. أما الأنبا بطرس فتناول عنقوداً من العنب وتظاهر بأنه يتذوّقه.

– “انتظر قليلاً، لم يسبق للآباء الآخرين أن تذوّقوا عنباً بالكلّية. أعرف أن الأنبا ايسيذوروس يحبّها كثيراً”. هذا ما فكّر به الأب ومن دون أن يفكّر أكثر تناول السلّة وذهب بها إليه.

– “أيها الشيخ، لقد أحضروا لي هذا العنب، إعمل معي محبّة وتقبلها أنت. أعرف أنها تعجبك كثيراً”. هذا ما قاله الأنبا بطرس مقدّماً هديّته  للأنبا ايسيذوروس.

– “باركك الله”، هكذا أجابه بعد أن تناولها منه. ولا حتى هذا الأب الثالث احتفظ بالعنب الشهي.

– “ليس صحيحاً أن أحتفظ بها”. هذا ما قاله الأنبا ايسيذوروس وأخذها إلى أب آخر وذاك أيضاً إلى آخر. إلى أن مرّت سلة العنب حتى نهاية النهار على كل الأكواخ الفقيرة ولم يحتفظ بها أحد لأن كلاً منهم كان يعتقد أن الآخر هو بحاجة إليها أكثر منه. عندما وصلت السلة إلى آخر كوخ فكّر الراهب المقيم هناك وقال:

– “إنها خطيئة أن أحتفظ بهذا العنب عندي. من المؤكد أنها ستعجب الأنبا مكاريوس جداً”. ثم قام وانطلق إلى كوخه.

– “أيها الأنبا تعطّف عليّ، أعرف أنك تحبّ العنب كثيراً. إعمل معي محبّة واحتفظ بها أنت”.

حينها نظر الأنبا مكاريوس إلى السلّة ووجدها كما كانت بكل عناقيدها كأن يداً لم تمسّها. هكذا كما كان قد أخذها من بداية النهار. فمجّد الله من أجل الرهبان الذين في الإسقيط، كونهم يمتازون بالمحبة والتعاطف.

ثم أتى في ذلك الوقت بعض الرهبان من مكان بعيد جداً لينالوا بركة الشيخ وصلواته فقال لهم بسرور وابتسام: “كلوا يا أبنائي من عنب المحبّة إنه أطيب عنب في العالم”.

وقصّ عليهم الحكاية كلّها.

Leave a comment