العرس مكرّماً والمضجع بغير دَنَس

“العرس مكرّماً والمضجع بغير دَنَس”

عن نشرة كنيسة السابق، واشنطن

نقلته إلى العربية جولي عطية

نواجه في بعض الأحيان الرأي القائل إنّ أيّة علاقة بين الجنسين هي إمّا خطيئة وإمّا ضعف مسموح ومغفور. والأفلاطونية والأدب الرهباني النسكي أضافا الكثير، بحسب فهم الكنيسة، إلى ما يخصّ هذا الموضوع. كما نجد في تاريخ الكنيسة هرطقات رفضت الزواج، ونرى أصداء لهذه الآراء في الأدب اللاهوتي الأخلاقي المعاصر… كتب الرسول بولس إلى الكورنثيين قائلاً: “أم لستم تعلمون أنّ جسدكم هو هيكل للروح القدس الذي فيكم الذي لكم من الله… فمجّدوا الله في أجسادكم وفي أرواحكم التي هي لله” (1 كورنثوس 6: 19-20).

بتجسّده، قدّس المسيح الجسد، وبحضوره الشخصي، قدّس الزواج. والجدير بالملاحظة أنّ أول معجزة للمسيح تمّت في عرس قانا الجليل. وهؤلاء الذين يدينون الزواج خلقوا أسطورة تقول إنّ عروسَي قانا الجليل بقيا متبتّلين، لكن لا وجود إطلاقًا لهذه الأسطورة في الكتاب المقدس. يدعو الرسول بولس بوضوح الذين يمنعون الزواج بالكاذبين وبالموسومة ضمائرهم (انظر تيموثاوس 4: 2-3).

ولقد أدينت هرطقة رفض الزواج في قوانين الرسل القديسين. يقول القانون 51: “أيّ أسقف أو كاهن أو شماس أو أي شخص آخر من السلك الكهنوتي يمتنع عن الزواج واللحم والخمر ليس تنسكاً بل لأنه يشمئز منها ويعتبرها نجسة وقد نسي أنّ الله قد خلق كل الأشياء حسنة جداً، وأنّه خلق الإنسن ذكراً وأنثى، فهو بمسلكه هذا يجدف على عمل الخليقة، فليُصلح أمره أو فليسقط ويُطرَد من الكنيسة، وبمثل ذلك يعاقَب العامي أيضاً”. ويعلن القانون الخامس: “لا يجوز لأسقف أو كاهن أو شماس أن يصرف عنه امرأته (يطلقها) بحجّة الورع. فإن أبعدها فليُقطَع من الشركة وإن أصرّ على غيّه فليسقط”.

ويقول القانون الأوّل من مجمع غنغرة: “إن كل مَن يطعن في الزواج ويحتقر المرأة المؤمنة التقيّة لأنها تنام مع زوجها ويزعم أنها لا تستطيع أن تدخل إلى الملكوت، فليكن مُبسَلاً (أي فليُطرح خارج الكنيسة)”. إضافةً إلى ذلك، نجد في القانونين 10 و14: “إذا تركت امرأة زوجها وصممت على أن تبرح سكنه لأنها تكره الزواج وتحتقره فلتكن مبسلة، وأي شخص من حافظي البتولية لأجل الرب ينظر إلى المتزوجين بعين الاحتقار والكبرياء فليكن مُبسلاً”.

بحسب آباء مجمع غنغرة، نحن المسيحيّين ” نعجَب بفضيلة البتولية بتواضع ونكرّم العفة… ونثني على هجر المراكز والوظائف العالمية عندما يتمّ ذلك بوداعة على أننا في الوقت نفسه نكرّم المساكنة الزوجية المحتشمة” (القانون 21).

نستطيع الاستشهاد بمقتطفات عديدة أخرى من قوانين مماثلة، لكنّ تلك المذكورة تبيّن أنّ الكنيسة لطالما أظهرت توقيرًا للزواج المكرّم، ودافعت عن قدسيّته بوجه الهراطقة وأولئك الذين يسيئون تقديره، متّخذةً إجراءات قانونية شديدة ضدّهم. بذكره لمثل أكيلا وبريسكلا، دعانا القديس يوحنا الذهبي الفم “إلى عدم إدانة الزواج وعدم اعتباره عائقًا أو تأخيرًا في طريق الفضيلة: اتخاذ زوجة، تربية أولاد، إدارة المنزل، وامتهان صنعة” [1]. كان أكيلا وبريسكيلا زوجين يحترفان مهنة حرة (صناعة الخيم)، لكن أظهرا محبّة للحكمة أعظم من تلك التي لدى عديدين يعيشون في الأديار.

بحسب تعليم الكنيسة الأرثوذكسية، فقط عبر الزواج في الكنيسة يتّحد شخصان فعليًّا، بالروح والنفس والجسد. وعلاقة الزوج بالزوجة هي الوحيدة التي تتم مقارنتها بعلاقة المسيح بالكنيسة (أفسس 5: 23، 25).

وقدسيّة الزواج، كما حدّدتها أناجيل الرسل، تشمل أيضًا العلاقات الحميمة بين الزوج والزوجة، بين هذين الشخصين اللذين يكمّلان ويحبان بعضهما بعضًا: “ويكون الاثنان جسدًا واحدًا”. يمكن لهذا الحدث الأكثر سرّية في حياة الزوجين أن يكون مقدّسًا إن كان ثمرة كمال انسجامهما الروحي والعقلي وتناغمهما الجسدي. هذه خطوة مميّزة في العلاقة المتبادلة. ويمكننا أحيانًا الملاحظة أنّ عينَي العروسين تبرق فيهما ومضات الحب والسعادة. ولهذا نشكر الله، متذكّرين أنّ “كلّ الأشياء حسنة بشكل فائق، وأنّ الله خلق الإنسان ذكرًا وأنثى” (القانون الواحد والخمسين من قوانين الرسل).

في الكنيسة الأولى، كان العروسان يمضيان أول أسبوع لزواجهما كأخ وأخت، وهما يضعان على رأسيهما أكاليل الكنيسة. ويهدف ذلك إلى أن يكون الزواج عفيفًا، وأن يسود أساس روحي صلاتي عليه، وأن ينفتح الزوجين الشابين على بعضهما البعض بفطنة ومراعاة للآخر. فقط في اليوم الثامن بعد رفع الأكاليل، يتحوّلان إلى أشكال أخرى من العلاقة. هذا كان يدفعهما إلى إعطاء قيمة أعمق لكلّ الخطوات التي تنمّي الانسجام والحب في الحياة الزوجيّة.

حاليًّا، تُرفع الأكاليل عند انتهاء خدمة الزواج المقدّس، مع قراءة صلاة رفع الأكاليل في اليوم الثامن، وهي صلاة احتفظت بعنوانها القديم. لم يعد مطلوب من العروسين أن يحفظا قانون العفة خلال الأسبوع الأول من الزواج.

تتطلّب العلاقات الزوجية صبرًا ورقة وبراعة هائلة وتفاهمًا مشتركًا. لا ينبغي أن تتعرّض المرأة للصدمة، بل أن تفرح بتجلّي شخصية زوجها وطباعه، وبحبه لها وحبها له.

والتزام العفة، إن لم يكن لمدة أسبوع، فأقلّه لمدة يومين أو ثلاثة بعد الإكليل، يشكّل عربونًا لعفّة الزواج، فهو يسمح للزوجين بأن يفهما بتأنٍّ هذا السرّ الذي يحصل، وأن يريا في هذا الحدث الجديد خطوة في تطوّر اتحادهما الزوجي. وفي الوقت الذي لا داعي فيه للاستعجال في هذا الأمر، لا ينبغي أن نؤجّله إلى عتبة صوم قريب، إلاّ إذا وُجد سبب استثنائي لهذا التأخير. كما أنّه من الأفضل أن لا يتم الزواج في عشية صوم، أي في النهار الأخير الذي يُسمح فيه بإتمام خدمة الزواج، بل أن يكون بعد الصوم، أو أقلّه أسبوعين أو ثلاثة قبل بدئه. هذا طبعًا ليس قرارًا كنسيًّا، إنما مجرّد توصية وأُمنية موجّهة لمن يستعدون للزواج. عمومًا، لا يستطيع المرء أن يعطي إرشادات مطلقة وعمومية بالنسبة للعلاقات الزوجية الحميمة، ما عدا ما كتبه الرسول بولس: “ليس للمرأة تسلّط على جسدها بل للرجل. وكذلك الرجل أيضًا ليس له تسلّط على جسده بل للمرأة” (1 كورنثوس 7: 4). يجب أن يتذكّر الزوج الجزء الثاني من هذه القاعدة، ولا يبتغي فقط الإشباع بحسب الجزء الأول. فمن الأفضل أن يعطي المبادرة للزوجة، على أن لا يسمح للإكراه العقلي أو الجسدي بأن يلقي ظلّه عليها.

بتكريم الزواج والمضجع الزوجي (“العرس مكرّماً والمضجع بغير دنس” – من الطلبة الكبرى خلال خدمة الخطبة)، تعلّم الكنيسة السلام والاعتدال في العلاقات الزوجيّة. فقبل الأكل، يقرأ المسيحي الأرثوذكسي صلاة، وإذا وجد كاهنٌ، يطلب: “يا رب بارك مأكل عبيدك ومشربهم”. وبالمقابل تدين الكنيسة الشراهة والثمالة بمثابة خطيئة. بالمثل، بينما تكرّم الكنيسة الزواج، تدين جعل الزوجين من العلاقات الجسدية نقطة تركيزهم الوحيدة واهتمامهم المشترك. عندما يطغى الجنس في الزواج، يصبح مكانَ اختباءٍ للانحراف. عندما يطلب رجلٌ جسد زوجته بعد تجادله معها، أو عندما يقيم علاقة جسدية معها لمجرّد التسلّط على جسدها، تُقترفُ الخطيئة الجنسيّة ضمن الزواج أيضًا.

يكتب القديس إقليمس الاسكندري عن الزوجين المسيحيين قائلاً: “على الرجل أن يحجم عن الشهوانية… [في هذه الأمور]، يجب أن يكون هناك حدود واعتدال”. إنّ غياب الزهد واستبدال الحب بالشهوانية يعيقان الزوجين عن إدراك كلّ واحد بالكامل لتركيب الآخر، أي إدراك الأجزاء الثلاثة التي تشكّل الشخص. الزهد والاعتدال أساسيّين في الزواج. أمّا الرهبان فمطلوب منهم الامتناع الكامل. أنا محظوظ لأنّ “كلّ الأشياء تحلّ لي لكن ليس كلّ الأشياء توافق. كل الأشياء تحلّ لي لكن لا يتسلّط عليّ شيء” (1 كورنثوس 6: 12). إنّ فترة صوم تعلّم المرء أن يسيطر على حواسّه وعلى جسده، إذ تقتضي امتناعًا مؤقتًا عن الحميمية الزوجية… خلال هذه الفترة، يجب أن يمتلئ المسيحي من “الفرح في الله”، فرح تنصاع له أشكال الفرح الأخرى كلّها.

فقط الاعتدال والزهد والانسجام الروحي والعاطفي/الجسدي للزوجين والطبيعة الشاملة لحبهما، يجعلون لحظة الاتحاد الجسدي مقدّسًا ومفرحًا، فيصبح شكل التعبير عن حبهما المتبادل وعن انسجامهما الكامل، والرمز الأعمق لهما. يكتب الرسول بولس قائلاً: ” لا يسلب أحدكم الاخر إلا أن يكون على موافقة إلى حين لكي تتفرغوا للصوم والصلاة ثم تجتمعوا أيضًا معًا لكي لا يجربكم الشيطان لسبب عدم نزاهتكم” (1 كورنثوس 7: 5).

تثمينًا لـ”زواج مكرّم” ولـ”مضجع طاهر”، تدين الكنيسة العلاقات الجنسية قبل الزواج وخارجه، معتبرةً إياها خطيئة مميتة. يكتب القديس باسيليوس الكبير: “لا تُعَدّ الفحشاء زواجًا، ولا بداية زواج” (القانون 26). تبعًا لقوانين الكنيسة، من كان له علاقات قبل الزواج، حتى مع خطيبته، لا يمكنه أن يصبح كاهنًا (القانون 69).

ما هو “مقبول” عند غير المؤمن، لا مهرب من عواقبه بالنسبة للمسيحي: من أُعطيَ الكثير، يُطلَب منه الكثير. وهؤلاء الذين لا يستطيعون التزام العفة قبل الزواج، عادة لا يستطيعون احتواء أنفسهم ضمن الزواج أيضًا. يمكن لهرطوقي سابق أن يصبح كاهنًا، لكن لا يمكن للمسيحي الأرثوذكسي الذي اقترف خطيئة الزنا أو ساكن خليلة أو تزوّج مرتين أن يُرسم كاهنًا (حتى بعد رقاد زوجته الأولى) (القانون 17 من قوانين الرسل، القانون 12 للقديس باسيليوس).

يجب أن يزيل الشباب الأرثوذكسي من فكرهم حتى احتمال العلاقات قبل الزواج. هذا ينطبق أيضًا على من يتحضّرون لزواج ثانٍ. نكرّر بتشديد: العلاقات قبل الزواج، حتى مع زوجة المرء المستقبلية، تشبه محاولة القيام بخدمة القداس من دون امتلاك نعمة الكهنوت. تسمّى الأولى زنًا والأخرى انتهاكًا. ومقارنة كهذه صائبة لأنّ اتحاد الزوج بالزوجة يشبه اتحاد المسيح بالكنيسة. وتبدو هذه المقارنة مزعجة للأذن فقط لأننا صرنا كلّنا معتادين جدًّا على واقعة العلاقات قبل الزواج، لكن في السابق لم يكن يُصادَف هذا الانتهاك السابق ذكره.

وعلى البتول، كما تتطلّب طبيعتها، أن تنتبه وأن تحفظ نقاوة علاقاتها قبل الزواج. ففي هذه المسألة، لا “تدبير” أو “تنازل”.

نحن نعترف بالزواج الأمين والمكرّم لغير المؤمنين، وإذا أرادوا اعتناق الإيمان والانتماء إلى الكنيسة، فنحن نكلّلهم بمحبة بأكاليل الزواج. وإذا كانا مخلصين أحدهما للآخر فلا خطيئة تُنسب لهما. لكننا نوجّه كلامنا لمن يُدعون أعضاءً في الكنيسة الأرثوذكسية، والذين، عبر علاقاتهم قبل الزواج، يرفضون نعمة الله، ويقعون في خطيئة مزدوجة: خطيئة الزنا وخطيئة إنكار نعمة الله.

إنّ العهد الجديد، الذي أنشأه يسوع المسيح، بدّل العلاقة بين الله والإنسان، وبذلك بدّل العلاقات المتبادلة بين البشر، وأولّها وبالأخص تلك التي بين الزوج والزوجة. يجب أن نتذكر ذلك عند قراءة العهد القديم وعند التأمل بالحياة العائلية في العالم الخارجي. على زواجنا المسيحي أن يكون زواج العهد الجديد.

“وإله السلام نفسه يقدّسكم بالتمام ولتحفظ روحكم ونفسكم وجسدكم كاملة بلا لوم عند مجيء ربنا يسوع المسيح. أمينٌ هو الذي يدعوكم الذي سيفعل أيضًا” (1 تسالونيكي 5: 23-24).

كونوا جريئين ويقظين. وبعد دخولكم في الزواج واتحادكم “في جسد واحد”، “مبنيّين – كحجارة حية – بيتًا روحيًّا (1 بطرس 2: 5)، كونوا هيكلاً واحدًا مزدوجًا لإلهنا.

[1] St. John Chrysostom; Homily 1 on the words “Kiss Priscilla and Aquila and the others”. Talks on various points of Divine Scripture Vol. 2, p. 41.