إيقونة من بيروت

إيقونة من بيروت

في أخبار القدّيسين عجائب كثيرة تناقلها المؤمنون في الكنيسة، جيلاً بعد جيل، شهادةً لمحبّة الربّ يسوع وعملِ الروح القدس. سأروي لكم الآن خبر عجيبة حصلت في بيروت في قديم الزمان عندما كانت بعد صغيرة. وقد نقلها لنا أسقف بيروت،يومذاك، واسمه أثناسيوس. قصد الأسقف كان أن يبيِّن أهميّة الإيقونات في العبادة. كان، يومها، حاضراً في المجمع المسكوني السابع الذي اجتمع فيه الأساقفة ليدافعوا عن استعمال الإيقونات في الكنيسة. وكان ذلك سنة 787 للميلاد.

عاش في بيروت قديماً رجل مسيحي استأجر بيتاً وسكن فيه مدّة من الزمن، ثم انتقل منه وسافر إلى مكان بعيد. ومن غير أن ينتبه، نسي إيقونة عليها رسم الربّ يسوع المسيح يظهر فيها جسده كاملاً.

ويشاء التدبير الإلهي أن يسكن في البيت رجل يهودي متعصّب يكره النصارى كرهاً شديداً. هذا لما وجد الإيقونة، استدعى رفاقه وراح يسخر من السيّد المرسوم عليها، كما سخر منه أجداده قديماً بعدما أسلموه للصلب. ثم خطر ببال هذا اليهودي أن يقلّد ما صنعه أسلافه بالربّ يسوع. فجاء بمسامير وثقب يدَيّ السيّد ورجلَيه في الرسم. كذلك أتى بخلّ وسكبه على شفتَي الربّ. فعل ذلك كلّه فيما كان هو وأصحابه يضجّون ويُصفّقون ويُقهقهون ويضربون وجه السيّد ويقولون له: تحرّك إذا كنت أنت المسيح! انزل عن الصليب إن كنت أنتَ ابن الله!

وأخيراً، أخذ أحدهم ما يشبه الرمح وطعن به جنب السيّد في الإيقونة. للحال خرج من الموضع المطعون دم وماء، تماماً كما خرج دم وماء من جنب السيّد عندما طعنه أحد الجنود وهو على الصليب. ومَن عاين شَهِد وشهادته حقّ.

في هذه اللحظة، انقطع الضجيج والصفيق والقهقهة. وساد الصمت. فتح الحاضرون عيونهم وأفواههم مدهوشين. تسمّروا في أمكنتهم. في هذه اللحظة، أيضاً، سَرَت في أبدانهم رعشة كأن تيّاراً كهربائياً صدمهم. شعروا بالخوف والرهبة. ما هذا؟! حلم أم يقظة؟! بعضهم ارتخت رجلاه فوقع على ركبتَيه ساجداً، وبعضهم جفّ حلقه، وبعضهم هتف بصورة عفوية: “المجد لله!” وركض أحدهم وجاء بوعاء، فصار الدم والماء يسيلان من الإيقونة وينقطان في الوعاء.

ونادى المنادون في المدينة: عجيبة في بيت فلان! عجيبة في بيت فلان! فتراكض الناس حاملين مرضاهم، العميان والصم والمشلولين والمجانين. وكل الذين ادّهنوا بالدم والماء شُفوا من أمراضهم. وتعالت أصوات التسبيح والتمجيد، وتهافت الناس من كل مكان على بيروت يطلبون أن ينظروا العَجَب. ويُقال إنّ اليهود الذين كانوا في المدينة في ذلك الزمان اهتدوا كلّهم وآمنوا بالربّ يسوع واعتمدوا.

ومرّت الأيّام، وانتقل إناء الدم والماء من تَقيّ إلى آخر، جيلاً بعد جيل، إلى أن وصل إلى يد ناسك اسمه باريبساباس. هذا أخفاه في مكان آمِن لم يدرِ به أحد. وسمع بعض اللصوص بوجود هذا الكنز الثمين عند باريبساباس فخطّطوا ليقتلوا الناسك ويأخذوا الإناء ويتاجروا به ليكسبوا مالاً وفيراً. وبالفعل، جاؤوا، في ليلة من الليالي، فدخلوا قلاّية الراهب وضربوه فقتلوه. ولمّا بحثوا عن الإناء لم يجدوه، فعادوا فارغين. أمّا باريبساباس فقد حَسِبَتْه الكنيسة في عداد القدّيسين الشهداء، وهي تعيّد له في اليوم العاشر من شهر أيلول من كل عام. صلواته معنا جميعاً.

إعداد عائلة الثاوث القدوس – دوما

Leave a comment