موهبة البصيرة لدى القدّيس أمبروسيوس شيخ أوبتينا


موهبة البصيرة لدى القدّيس أمبروسيوس شيخ أوبتينا

نقلته إلى العربية راهبات دير مار يعقوب، دده، الكورة

 

 

1- العامل واللصوص

 

أراد أحد العمّال الانصراف بعد أن أنهى وضع الإيقونات الجديدة في إيقونسطاس كنيسة دير أوبتينا الكبرى، ولكنّ القدّيس أمبروسيوس (1812-1891) رأى بما له من البصيرة الرّوحيّة مشهداً مريعاً: في الغابة القريبة من الدّير اختبأ رجلان مزوَّدان بمشرطين ليقتلا العامل متى مرّ من هناك ويسرقا المال الذي كان بحوزته.

وبينما كان هذا العامل يودّع السّتارتز طالباً بركته وصلواته، دعاه الشّيخ لزيارته في صباح اليوم التّالي ليتناول وإيّاه كوباً من الشّاي. ومع أنّ العامل كان في عجلة من أمره إلا أنّه لم يجرؤ على رفض الدّعوة، وهكذا بقي في الدّير.
وفي صباح اليوم التّالي، وجّه الشّيخ له دعوة أخرى مماثلة ليقضيا سويّة بعض الوقت في غروب ذلك اليوم. وما أن التقيا حتى دعاه ثالثة الشّيخ إلى لقاء آخر صباح الغد. وهكذا احتفظ السّتارتز بهذا العامل مدّة ثلاثة أيّام في الدّير. وطبعاً تأسّف العامل لهذا التّأخير الحاصل. ولكنّه لم يعد يعرف كيف يشكر الشّيخ على صنيعه معه عندما علم السّبب.

 

 

2- الدّروس في موسكو

 

من المعروف عند الشّعب الرّوسي أنّ كلام الأب أمبروسيوس كان يحمل صفة النّبوءة. لم يكن يتكلّم كأحد حكماء العالم، بل كانت أقواله أقوال إنسان مستنير من الرّوح القدس.

وكان بعض المسيحيّين يطلبون بركة الشّيخ قبل شروعهم في أيّ عمل لهم. ومن هؤلاء كان كابيتون الذي زار الشّيخ طالباً صلواته لابنه المزمع على السّفر إلى موسكو للحصول على علوم عالية.
لم يعارض الشّيخ طموح الشّاب، ولكنّه اقترح على الأب أن تكون مدينة كورسك بدلاً من موسكو. وهنا استنكر كابيتون الاقتراح قائلاً: “ولكن يا أبي نحن لا نعرف أحداً في كورسك، فكيف نرسل إليها الشّاب. امنحنا، لو سمحت، بركتك ليسافر إلى موسكو”. فأجاب الشّيخ بلهجة المازح: “إنّ موسكو، أيّها الحبيب، سوف تمسكك من أنفك وتضربك بالألواح الخشبيّة”.
وفي نهاية المطاف لم يعمل كابيتون بنصيحة الشّيخ وسافر الفتى إلى موسكو حيث استقرّ في أحد المنازل هناك.
كانت الدّروس تسير بانتظام ونجاح باهر، وكان الأب راضياً مسروراً عن هذه النّتيجة، إلى أن وصلته يوماً برقيّة تدعوه بالذّهاب عاجلاً إلى موسكو. فما الذي جرى؟! لقد وجد كابيتون ابنه مكسور كلتا الرّجلين إذ وقعت عليهما ألواحاً خشبيّة ثقيلة الوزن!!! وها قد أصبح الفتى مشلولاً إلى الأبد.
وعندما زار كابيتون الشّيخ ثانية، كانت دموعه تنهمر كالمطر من عينيه مردّداً: ” لماذا لم أقبل مشورتك يا أبي؟ لماذا لم أنصع لنصيحتك؟”

 

 

3 – التّجّار الثّلاثة

 

من الحوادث التي تُظهر جليّاً موهبة البصيرة التي للأب أمبروسيوس القصّة التّالية التي أخبرت بها الرّاهبة بربارة من دير بيليفسكي:

” لاحظ الشّيخ بأنّي لم أصدّق الكلام الذي قاله لي في المحادثة الأخيرة التي جرت بيننا. فلقد اعتبرت أقواله كلاماً عاديّاً وليست كلاماً معلّناً باستنارة إلهيّة.
وقال لي ذات يوم:
– اذهبي إلى دير تيخونوفسكايا.
– لماذا أذهب يا أبي وليس لديّ ما أقوم به هناك؟ وإن ذهبت فكيف أعود بمفردي؟
– اذهبي، قالها للمرة الثّانية، وسوف تجدين من ينقلك إلى هنا. فهناك ثلاثة تجّار متشوقون لزيارتي ولا يوجد من يدلّهم على الطّريق إلى هنا. فستكونين أنت إذن مرشدتهم.
– اكتب لي شيئاً يعرّفهم بي.
– ماذا سأكتب وأنا لا أعرفهم ولم أرهم؟
فتعجّبت جدّاً ممّا سمعت إذ كيف يمكن لإنسان أن يعرف ما يجري على بعد 65 فرسخاً منه؟ وبالفعل، ففي اليوم التّالي قصدت دير تيخونوفسكيا وأنا أبكي. فمرّ بي مضيف الدّير الأب نيقولاوس وسألني:
– لماذا تبكي؟
– لأنّه لا يوجد أيّ زائر ولا أيّة عربة تقصد أوبتينا، فكيف سأعود؟
– لا تقلقي. يوجد هنا زائرون يقصدون أوبتينا وينتظرون وصول عربة من القرية القريبة لتقلّهم.
– من هم هؤلاء الزّوّار؟
– إنّهم تجّار.
– ومن أين هم؟
– من الجوار.
– هل هم كثر؟ خمسة أو ستة؟
– كلا. بل هم فقط ثلاثة.
بقيت مذهولة تمام الانذهال، فكلّ ما ورد كان مطابقاً لما قاله الشّيخ. يا لها من أمور عجيبة تحدث!! وفي اليوم التّالي رافقت التّجّار وأرشدتهم الطّريق إلى أوبتينا. وعندما أخبرتهم سبب وجودي معهم شملتهم دهشة غريبة وصرخوا بصوت واحد: “عظيم أنت يا ربّ وعجيبة هي أفعالك”.
والآن ها قد وصلوا إلى أوبتينا وشوقهم في ذروته للتّعرف على الأب الشّيخ. أمّا أنا فمنذ ذلك اليوم لم أعد أشكّ مطلقاً بنصائح السّتارتز أو بكلامه، لأنّه من المؤكّد بأنّ كلّ ما يتفوّه به يعلّمه إيّاه الرّوح القدس السّاكن فيه.

 

 

 

Leave a comment