أَيـُّها المُرَتِّلُون…

أَيـُّها المُرَتِّلُون…

الأب نقولا مالك

إِنَّهُ لَحَسَنٌ أَن يَشعُرَ الإنسانُ بِرَغبَةٍ في تمجيدِ اللهِ بِالحَناجِرِ الّتي خَلَقَها. فَإذا اشتَهَيتُمْ أَن تَكُونُوا مُرَتِّلِينَ، فَنِعْمَ الشَّهْوَةُ. لكِنْ تَذَكَّرُوا أَنَّ التَّرتيلَ وَزْنَةٌ تجعلُكُم خُدّامًا لا أَسيادًا، غَسَلَةَ أَرْجُلٍ لا آنِيَةً لِمَجْدٍ باطِل. فَمَتى رَتَّلْتُم، قُولُوا إِنَّنا عَبيدٌ بَطّالُون، لأَنَّنا عَمِلْنا ما كانَ يَجِبُ عَلينا (لو 10:17).

أَيـُّها المُرَتِّلُون… لا تُسارِعُوا لاقتِحامِ مَنابِرِ التَّرتيل (القَرّايات)، وَكَأَنَّكُمْ تَتَلَهَّفُونَ لاغتِصابِ مَنصِبٍ ما، خِشْيَةَ أن يَسبِقَكُمْ آخَرُ إلَيه، بَلْ إِذا وُجِدَ مَنْ يَقُومُ بِهذِهِ الخِدمَة، دُونَ حاجَةٍ إلَيكُم، فَقِفُوا جانِبًا، وَاغْتَنِمُوها فُرصةً للصَّلاةِ بِتَركِيزٍ أَكْبَر.

أَيـُّها المُرَتِّلُون… لا تَحْجُبُوا وَزَناتِكُمْ عِندَ الضَّرُورة، وَلا تُضْرِبُوا عَنِ التَّرتِيلِ بِداعِي العُجْبِ وَالأَنَفة -فَمَلعُونَةٌ التِّينَةُ الكَثِيرَةُ الأوراقِ والعَدِيمَةُ الثَّمَر- بَلْ رَتِّلُوا مَتى دَعَتِ الحاجَةُ، أَو مَتى طُلِبَ إِلَيكُم ذلك وَكُنتُم قادِرِينَ على القِيامِ به. وَتَقَدَّمُوا مِنَ المنبر بِرُوحِ الخِدمةِ وَالوَداعَة، وَنَسِّقُوا مَعَ مَنْ يَكُونُ هُناكَ بِلِياقَةٍ وَتَرتيبٍ، وَبِرُوحِ الغيرةِ على جَمالِ الخدمةِ الإلهيّة. وَلا تَكُونُوا طالبِينَ رِئاسَةً -فَما هكذا عَلَّمَنا الرَّبّ- لكنْ إِذا وُجِدَ  أَحَدُكُم مسؤولاً عن مجموعةِ مُرَتِّلِين، فَلْيَكُنْ مِثالاً لَهُمْ بالرَّصانَةِ وَالخُشُوعِ واحتِرامِ أَجواءِ الصَّلاة. وَلا تَنتَظِرُوا مَدْحًا وَإِطراءً مِنَ النّاس، بَل قَدِّمُوا أَصواتَكُم قَرابِينَ تَشْفَعُ بِكُم أَمامَ عَرشِ الحَمَل.

أَيـُّها المُرَتِّلُون… إِنَّ التَّرتِيلَ فَنٌّ لَهُ أُصُولُه، وَأنتُم تُمارِسُونَ هذا الفَنَّ. لكنْ تَذَكَّرُوا أَنَّ التَّرتِيلَ صَلاةٌ قَبْلَ أَن يَكُونَ فَنًّا، وَتَوبَةٌ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ جَمالاً. وَتَذَكَّرُوا أَنَّ الغايَةَ مِنْ إِلْباسِ الكَلِمَةِ ثَوبَ النَّغَمِ هِيَ أَنْ تُرْفَعَ القُلُوبُ خُشُوعًا، وَأَنْ تُزْهِرَ الشِّفاهُ تَسابِيحَ. فَيَجدُرُ بِكُمْ أَنْ تُسائِلُوا أَنفُسَكُم: هل نحنُ في الكنيسةِ مُرَتِّلُونَ أم مُطْرِبُون؟! هَل نُرَتِّلُ لِنُصَلِّيَ وَنُساعِدَ النّاسَ على الصَّلاة، أَم نَتَّخِذُ التَّرتِيلَ “فَنًّا” مَحْضًا؟!

أَيـُّها المُرَتِّلُون… انْتَبِهُوا، لِئَلاّ تَخْرُجُوا بِفَنِّ التَّرتيلِ عَنِ الجادَّةِ الصَّحيحة؛ وَتَذَكَّرُوا أَنَّكُمْ دائمًا بِحاجَةٍ إلى السَّهَرِ الرُّوحيّ، وَبِحاجَةٍ إلى كَمٍّ كَبيرٍ مِنَ التَّواضُع، وَإِلاّ فَالجُنُوحُ سَهْل. إنتَبِهُوا، لِئَلاّ تَنحَرِفُوا بِالتَّرتِيلِ عَن هَدَفِهِ السّامي، فَيُصبِحَ تَمجيدًا لِلذّاتِ بَدَلاً مِنَ أن يَكُونَ تَسبيحًا للّهِ. فَإِذا كُنتَ تَبْحَثُ عَنِ المَجْدِ الباطِل، لا تَتَّخِذْ كَنيسةَ اللهِ مَسْرَحًا لَك، “لأنَّ الوُقُوعَ في يَدَيِ اللهِ الحَيِّ أَمْرٌ هائِلٌ” (عب 31:10).

Leave a comment